الجانب الديني من حياة الشيخ احمد ماضي ابو العزايم

الجانب الديني:

       يتسم الجانب الديني عند الشيخ احمد ماضي بفكر راق ووعي عميق بمعظم القضايا الدينية التى يحتاج إليها الناس جميعا وفى حاجة ماسة إلى فهمها أولا ثم تقديم الحل الميسر لها ثانيا.

ومن أبرز القضايا الدينية التى عول عليها الشيخ احمد ماضي قضية أمراض القلوب التى استشرت بين المسلمين وأثرت على علاقاتهم الاجتماعية والدينية أيضا.

ومن هذا الأمراض: الشح، والعجب، والحسد، والحقد، وحب الذات فقد لاحظ السيد احمد ماضي أن كثيرا من الناس ترك لنفسه العنان حتى تمكنت هذه الأمراض منها وسيطرت على جنباتها ومن ثم سيطرت على حركات الإنسان وسكناته دوافع هذه الأمراض وخصالها.

فيري الشيخ الجليل فى مقالاته إحدى أن كثيرا منا يحب أن يعيش ليأكل ” فنتج عن ذلك الشر وتفاعلها حصل الحرص ولو تبصرنا لوجدنا الحقيقة أننا نأكل لنعيش ومنها نحب أن نلبس لنتجمل، فنتج عن ذلك العجب وبتفاعلها حصلت الخيلاء.

 

(1)      جريدة أخبار الآداب المصرية – الأحد الموافق 28 محرم، سنة 1414 هـ- 18 يوليو سنة 1993م العدد الأول ص 27.

 

وبالتبصر نجد الحقيقة أننا نلبس لنستر العورة، ومنها نحب أن نواقع لنلتذ فنتج عن ذلك الإقبال على تقوية القوي الحيوانية وبتفاعلها استولي سلطان الشهوة(1).

ونلاحظ من النص السابق أن صاحبه خبير بأمراض القلوب مدرك لأبعادها وما ينتج عنها من آثار سلبية تؤدي إلى هلاك الإنسان فاشارته الذى يأتي من الإسراف فى الطعام يحب أن نقلع عنه ولا أدي إلى الحرص وهو الرغبة فى التملك والسيطرة من أجل إشباع النفس بملذات الدنيا. فإن لم نقص على الحرص قادنا ذلك إلى العجب وهو أعجاب المرء بنفسه والرضا بكل ما يصدر عن النفس وهذا هو عين الردى.

فإذا لم يستطع الإنسان أن يمنع نفسه من العجب والرضا الدائم عن حياة الإنسان وخاصة فى الجانب الاجتماعي، لأنه يؤدي إلى خسران كبير على مستوي العلاقات الاجتماعية وفساد أخلاقي عظيم على المستوي الشخصي، كما أنه يقود الشخص إلى التكبر والإحساس بالأنفة من الناس والاستحقاق بهم واحتقارهم فى الأقوال والأعمال ولذا حذر الحق سبحانه من هذه الأمراض وحث المسلم على محاربتها وعدم الركون إليها، بل حكم الظلم على كل متمسك بها فقال سبحانه ” يا أيها الذين آمنو لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منه من ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزو بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” (1) ونهي الحق تعالي علي لسان لقمان عليه السلام عن تدني النفس لغير الله تعالي أو التعالي على الناس والاستحقاق بهم فقال سبحانه ” يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعد خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد فى مشيك واخفض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير” (3).

إنها آداب قرآنية ساقها الحق تعالي للإنسان لكي يربي نفسه عليها ويحنيها الأمراض التى تحل بها من وراء التخلي عن هذه الآداب والحقيقة التى يجب أن يعمل بها المسلم ويهتدي غليها ” أننا نقتتي لنكتفي هم المؤنه ونلتذ ليبقي النوع، وليس العيش من أجل الطعام أو الجماع من أجل اللذة، لأن الإسلام يدعو إلى التوازن الطبيعي بين ملكات النفس ويحبذ استعلاء الروح والعقل على النفس والبدن لأنه يريد للإنسان حياة كريمة وأخلاقاً فاضلة يعيش بها بين أخواته، فيرحم ضعيفهم، ويعين فقيرهم، ويطعم جائعهم ويقضي عنهم ديونهم فيفوز بحبهم وحب الله تعالي عم ينعم بالجزاء الأوفى يوم القيامة.

  • انظر: مقالة الشيخ احمد ماضي بجريدة الآداب المصرية – الخميس 4 رمضان سنة 1305هـ- الموافق 27 مايو سنة 1887م، العدد 17 ص 17،18.
  • سورة الحجرات: الآية 11
  • سورة لقمان: الآيات : 17 -19.

وهكذا لو تأملت بعين الحكمة لرأيت الطبيعة تسوقنا إلى ما تريد بسوط مؤلم ولكننا نسترسل غير واقفين على الحد الأوسط مسرعين مع العادة إلى ” سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء” (1) وما هو إلا ظلام أوجبه عدم التبصر فى بحر لجي، ماؤه الحيرة يغشاه موج من الفتن، من فوقه موج من الأهواء، من فوقه سحاب يحجب عن ملاحظة الحقيقة.

فمتي وقع الإنسان فى هذه اللجنة كان أعظم مانعمل له من التخلص من سلسلة العادة التى تقلدها فى عنقه وما حلقاتها إلا نتائج الظواهر(2)  فانظر هداك الله على فضلة بعين بصيرتك إلى ما يتمتع به الشيخ أحمد ماضي من رصد دقيق لأمراض النفوس وما ينتج عنها من آثار مدمرة للإنسان وللمجتمع.

ثم انظر قدرته على تشخيص العلاج الناجع لها من خلال الاهتداء بالمنهج الإسلامي المستنير فحب الذات عند الشيخ احمد ماضي هو الواسطة لتنظيم القوي فى طريقة المنفعة وهو الباعث لهما فلكل قوة فى الإنسان والحيوان مطيعة لقاهريته وكل الانفعالات النفسانية تحت سلطته فلا يتحرك الإنسان حركة تسرية أو إرادية إلا وهو الباعث الذى سلط على الأعضاء التى هى آلات لها. فالغضب أذى وهو اندفاع الأرواح إلى خارج الجسم للانتقام بواسطة تشديد القوة الإرادية وانبعاثها بالغرم عنها لم ينشأ إلا بعد أن يتوقد حب الذات فى موائدها وهو القلب، فانقاد إليه وبعث بالدم إلى جميع أنحاء الجسم بقوة شديدة.

إذاً المهد ذلك علمت أن حب الذات هو القائد لجميع القوي التى يبعث بها مؤلفه فى طريق المنفعة، وهو الحافظ القانونى لتحسين العلم فلولاه لم تر شيئا حسناً قط لرأيت الإنسان الذى هو كما تراه فى أحسن تقويم على ما كان عليه من التوحش وفساد التركيب.

ولتعلم أيضا أنه مسئول على قوتين عظيمتين الأولي: القوة النفسانية والثانية: القوة الشهوانية والحد الأوسط هو اعتداله بين هاتين القوتين (3) أن المتأمل فى تحليل الشيخ احمد ماضي لقوي النفسي الإنسانية وإدراكه للتأثير الضار الذى يجلب ( حب الذات ) على سلك الإنسان وعلاقاته الاجتماعية. يقر بأنه ذو بصيرة نافذة وعقل ثاقب استطاع من خلالهما الوصول على القوي التى ينبع منها حب الذات ويتعرف على المصادر الرئيسية التى تغذي هذا الداء وتقوي من استفحاله فى النفس وسيطرته على البدن.

 

  • سورة النور، من الآية: 39
  • انظر جريدة الآداب المصرية – يوم الخميس 4 رمضان سنة 1305هـ الموافق 27 مايو، سنة 1887م، العدد 17، 18.
  • جريدة الآداب المصرية – يوم الخميس 18 رمضان سنة 1304هـ- الموافق 9 يونية، سنة 1887م، العدد 19 ص 36.

 

ولذا طالب الإنسان الذى يعتريه هذا الداء أن يعود على الحد الأوسط الذى يوازن به الإنسان بين قوته النفسانية والقوة الشهوانية ومن ثم فإنه يري ” أنه كان الواجب أن تجمع الأفراد قواها بواسطة حب النوع فتجعلها كريشة نافذة، وتركبها فى طرق سهم الاتحاد فتنفذ فى قلوب الأيام، وتزيل سبل المنفعة العامة بعد أن تميت الأغراض الذاتية التى أوقعت الأفراد فى بحر الفساد حين ما ظن كل ” أنه فرد مستقل قادر على جلب المنفعة ودفع المقرة فأخطأ القصد، ودفع فى شباك التغابن فريسة الاضطهاد والفاقة ولأريب فى أن كل فرد ممتع بقوة بها يجلب المنفعة ويدفع المقرة، ولكنها لزهيدة جدا ويلزمها فى تنفيذ مأرب جرئ زمن طويل، لابد وأن تتقهقر وتتلاشي دون الوصول إلي ما تجد أمامها من العقبات التى تلزمها مضاعفة القوة.

ولتعلم أيها الفاضل أنه ما من صفة مطبوعة فى الذات إلا وقد أراد بها مودعها جلت قدرته نوعاً من المنفعة ولكن لبأس الظواهر يستدعي إنسان البصيرة فيخطئ القصد منها وتصرف إلى ما وراءها وتكون تحت طابع العادة كما قدمت لك (1).

وبعد فهذه بعض القضايا التى ناقشها الشيخ احمد ماضي فى الجانب الديني الذى يتسم بالعمق والشمولية فى معالجة قضاياه، كما يتميز ببلاغة الأسلوب وجزالة الألفاظ العذبة التى تكون فى محاسنها البديعية صور إبلاغية واضحة البيان، كما ترسم من خلال جناسها وسجعها لوحه فنية نادرة ولحناً موسيقياً تطرب إليه كل أذن لديها القدرة على تذوق الدلالات اللغوية.

 

 

 

(1)      أنظر: جريدة الآداب المصرية – يوم الخميس 18 رمضان سنة 1304هـ الموافق 9 يونية ، سنة 1887م، ص 37، 38.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى