المقال الثالث عن تفسير الفتور

المقالة الثالث(1)

أهلا أهلا بك أيها الصديق لقد أوحشتني مسامرتك كيف خاطرت بنفسك وامتطيت متون الطير حتى وصلت إلى هذا الجو جو الحقائق مسكني ومغناء فشكر لك.

         ولقد قصصت على ما أدهس فؤادك وحير عقلك وروعك وما هذا الأم بعجيب فمهلا عبد أن أوافيك محجيبا عما سألت من قبل أزيل عنك أربي عك بيان ما قصصت على وأري أنه يحس لنا أن نؤجلها لمسامرة آتية.

         والآن أقول لقد ذكرت لك يا أخا الحكمة ورب البحث كيف انتقل حب الذات من حكم المنفعة إلى المقرة البحتة وكيف تولد عنه شيطان الغيرة الذى أمسك بيده مرية الحسد أمام وجه صاحبة، ولكنني لم أذكر لك ما هو الحسد وعم وبم كانت نشأته لضيق الوقت؟

         وها أنت بقوة إداركك ودقة بحتك علمت أنه منجل الوفاق وحريق الاتفاق  ولعمر الحق إنه الموت الأحمر والهواء الأصفر الذى لا يمر على فضيلة إلا تركها كالرميم وهوي بها إلي مدركات الجحيم.

         وقد مر بك أيها الفاضل أنه ما من صفة مطبوعة فى الذات إلا وقد أراد بها مودعها حلت قدرته نوعا من المنفعة هذا الداء مجرد النظر إليه يظهر أنه حال من المنفعة بالكلية بل هو من قبيل السم فى أنياب الأفعى على مذهب الملدوغ والحقيقة من وراء ذلك قد مت لك أن حب الذات هو الواسطة لتنظيم القوي في طريق المنفعة وهو الباعث لها والحافظ لقانون التحسين العام وليس ثم قوة إرادية ولا فسرية إلا وهو الباعث والمهيء لها وأقول هنا إنه لا يمكن أن يكون حب ذات إلا إذا كان ثم لذة وألم وحسن وقبيح وضار ونافع ومتدارك تدرك به هذه الأضداد النسبية فيكون حب الذات هو الذى يبعث بالقوي فى طلب المناسب والهرب من النافي ولا يذهب عليك أن القوي تضمحل لبعد الغابات وربما تقهقرت فلابد لها من رابط يربطها بالغابة وسائق يسوقها إليها.

         فالرابط هو الأصل وهو الذى يحفظ الوجهة منذ السكون المطلق وهو ممتد بين القوة والغاية كخيط موهوم ينجل عن مغزل الرجاء الذى تديره أصابع التمني وليس من سائق لها سوي الحاجة التى أسست دعائمها على بسيطة العادة إذا تدبرت ذلك علمت أن التمني هو الروح الذى تهيئ هذا المعدات

لتربط المبادئ بالغابات ويدونه تذهب بالهوى إلى مالا يفيد أو تستكن وتكن عن لم تقل تلاش فهو كحرارة تنبه القوي وتنشط الأعضاء وتتملق لها فى طلب المناسب فإذا أدارك الإنسان شيئا مناسبا، أوقع التمني بيئة وبين القوي اتصالا عظيما بخيط الأمل.

 (1)     كتبها الشيخ احمد ماضي أبو العزائم لصديقة الشيخ على يوسف الذى طلب منه تفسير الفتور الذى انتابه والهم الذى لحق به آنذاك ” انظر: جريدة الآداب- القاهرة العدد 20 يوم الخميس 25 رمضان 1304هـ- الموافق 16 يونيو سنة 1887م- السنة الأولي ص46،ص47.

         وعلى هذه يبعث حب الذات جميع القوي وراءه كما إذا أدرك الإنسان شيئا منافيا انقبض من جهته انقباضا عظيما وأوقع حالات الاتصال بين القوي وبين تقيضة فتنبعت القوي انبعاثا اضطراريا شديد إليه وهذه هى حركة الهرب وقد تكون هذه الحركة فى بعض الأحيان غير إرادية كما إذا أحسن الإنسان بشئ بغتة فإنك تري يديه قد انقبضا وانبسطا بحركة تشخية لإزالة هذه الشئ وتكون هذه الحركة عند الإحساس بالمنافي بدون مهلة فقد تقيض الحدقة وتنطبق الأجفان قبل الإحساس بالشئ المنافي.

         ولعمري إن فى هذه المقام مبحثا لذيذا للغاية إذا تمهد ذلك وعلمت أن التمني هو روح من الأرواح المقومة للذات ويدونه لا تستقيم الأعمال ولكن عندما انحرف التمني أيضا عن محورة الذى هو إيقاع الاتصال بين القوي وبين المناسبات التى تدعو إليها الحاجة إلى التملق للقوي فى أن تطلب كل المناسبات ولو لم تدع إليها الحاجة وأن تمنحها غيرها وتسلبها منه بجميع قواها وهذا هو الحسد فاصلة الغبطة ومنشاؤه عدم نجاح المقاصد وسببه انحراف حب الذات هذه يا أخي حقيقة الحسد وأما نتيجته فقبحا لها فإنه يقطع العلائق ويجلب البوائق ويذيب الأكباء ويوقع العناد ويبعد القريب ويبعض الحبيب وذلك لأنه بحرارته الغريب يوقع المافرة كما إذا سلطت الحرارة على جسمين ممغنطسين متجاذبين فإنها تضعف هذه المجاذبة أو تلاشيها وإني أراك على أهبه ألواع فأودعك الآن وإن استعدني الطالع مرة باللقاء شرحت لك تلك السورة التى تلوتها على فعليك والسلام.     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى