الجانب السياسي فى حياة الشيخ احمد ماضي ابو العزايم

لم ينته الجانب السياسي للشيخ أحمد ماضي عند حد الولاء لمصر والمصريين فقط ولكن أمتد ليتمل الأنظمة السياسية فى شتي دول العالم ومناقشة الاتجاهات السياسية التى تنتهجها الدول الكبرى فى ذلك الوقت.

وقد ساعده على مطالعة هذه النظم والتعرف عليها إلمامه الجيد بالعديد من اللغات الأجنبية وترجمته للكثير من الأخبار العالمية التى تتصدر الصحف العربية والمجلات الأجنبية، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحس الوطني عند الشيخ أحمد ماضي كان أكثر ما يميز الجانب السياسي لديه، إذ تجسد هى الحس الصادق فى كتابة العديد من المقالات الملتهبة بالوطنية والحب الصافي لمصر والمصريين و يحث شباب مصر وأبناءها الغالية أن ينهضوا بواجبهم الوطني عن طريق العمل الجاد والمتميز لتمدن مصر وتحضر شعبها، والأخذ بيد أبنائها نحو التقدم العلمي والرقي الحضاري.

بينما طالب أبناء الشعب المصري بأسلوبه الأخاذ والبليغ قائلا ” أى بني الوطن الأعزاء على الأصدقاء على أى أفراد العائلة المصرية وهيئتها المدنية علمتم ولا أخالكم تجهلون حالة بلادنا فى الأزمان العابرة والقرون المتوسطة، وما جناه الأحق على السابق ورأيتم هذه النقلة التى انتقلتها فى خلال هذه الأعصر الحاضرة، ودرستم فى صحف الغير دروس العبر، وشاهدتم بعين البصيرة، والبصر ما بطن وما ظهر وذقتم من حوادث الدهور ما احلوا وما أمر.

وها هى الحالة الحاضرة تطالبكم بآراء الواجب عليكم مما يجعلكم رجالاً تبارزون الرجال وأن هذا التمدن الحديث لا يحاربه إلا من عرف وجه تجاربه ذو القوة، ممن هذبتهم التجارب فحافظوا على الأوقات وانتهزوا الفرصات، واعلموا أن هذا التمدن قد حمل إلى بدلانا على أكتاف أقوام أقوياء حرصاء لم يرضهم فى ثمنه القليل، ولم تكلفهم فى مقابلته القيمة يودون أن يضربوا بأيديهم على التجارة والصناعة ومصادر الثروة، ونحن ننظر إليهم بعين المتعجب، مرسلة أيدينا إلى الجوانب كأننا لنا أبناء أب واحد وأم واحدة إن هذا الشئ عجيب(1).

إن ملاحظة الشيخ احمد ماضي للحالة التى عليها أبناء الوطن يقودنا على الإقرار بأننا أمام شخصية وطنية مستنيرة. وحسن واع ومدرك لكل ما يعوق عوامل النهوض وقواعد التقدم.

ومن ثم نادي الشيخ الجليل من فوق منبره الإعلامي باليقظة والسعي فى ثبات وصدق نحو العمل المثمر الذى يأخذ بيد مصر والمصريين على ما كان علية أجدادهم من حضارة فرعونية تليدة، وإمبراطورية إسلامية شاسعة، كانت فى وقت سابق مصدر الإشاع العلمي والحضاري للعالم الغربي.

(1)     انظر: مقال للشيخ احمد ماضي بعنوان ” يا بني وطني” جريدة المؤيد المصرية يوم الأربعاء 12 ربيع الثاني، سنة 1307هـ- الموافق 4 ديسمبر، سنة 1890م، العدد 2، ص 1-2.

ولذا نراه يقول ” فما أحوجنا إلي فضل إقدام وثبات وصبر وصدق فى العلم، ونشاط فى السعي، حتى يسعد بنا الوطن ونسعد به، ونفوز فى هذا السباق الذى لا يحرز قضبانه إلا المتيقظ (1).

لقد نبه الشيخ احمد ماضي على ما نحتاجه من شباب مصر هذه الأيام وهو العمل والإقدام فى ثبات وصدق على السعي نحو التمدن والتقدم حتى تسعد مصر ويسعد أبناؤها ولا إنجاز بدون جهد واجتهاد كما أنه لا تتحضر بدون سعي هادف وبناء،لأنه لا ينال المجد ولا يحظى بالتمدن إلا المتيقظ الذى يدرك قيمة الوقت وقيمة العمل.

وإذا كان اهتمام الشيخ احمد ماضي بالقضايا بالوطنية بالغاً فإن اهتمامه بقضايا أمته العربية والإسلامية كان على نفس الدرجة والوتيرة حيث دعا فى العديد من مقالاته إلى ضرورة الوحدة والالتفاف حول هويتنا العربية وعقيدتنا الإسلامية انطلاقا من الوحدة الجامعة التى يرجع إليها جميع المخلوقات.

فيشير فى إحدي مقالاته إلي أن الوحدة الجامعة هى أصل المخلوقات ومصدر الأمم فمن ” سرح الطرق وأحال الفكر فى نظام هذا الكون الفسيح الذى أبدعته يد القدرة على وفق الحكمة، رأي جميع أجزائه المختلفة الأجناس المتنوعة الحقائق، ما هى إلا صور متغايرة لمادة واحدة عملت فيها القوة الإلهية فظهرت فى عالم الوجود بمظاهر شتي وانبسطت على بساط الكون أجناسا مختلفة وأنواعا متغايرة، لكل منها خواص ومزايا وحقيقية فى ذاته تباعد بينه وبين غيره تعين له وجود فى عالم الظهور وحدا محدودا فى كونه وفساده محققا فى الطبيعة العامة لا تبخل عليه به، لو ارتفع عنه تلك الصورة النوعية فيعود على تلك الحقيقية الواحدة(2).

ولكن لم يغفل الشيخ احمد ماضي عن رغبة الفرد والأمم فى الاستقلال الذاتي أو الرغبة فى تكوين أمم وجماعات مستقلة تحكمها قوانين متعارفة تدعو إلى التالف والتمسك بالحقوق والقيام بالواجبات ” فعلي كل فرد حقوق وواجبات لأمته له فى نظيرها منافع ومزايا يختص بها عن من سواه من أفراد الأمة الأخرى.

كما أن لكل أمة مستقلة المصلحة والعمل والحق الطبيعي هى جزء من جسيم المملكة، تجمع إرادتها إلى إرادة غيرها وقوتها إلى قوتهم وكلمتها إلى كلمتهم كل ذلك واجب على الأمم التى تدين للوحدة الجامعة، وتعمل على الالتئام القوي، وهؤلاء يمس حقها الطبيعي، ولا يعبث بما لابد من الواجبات ثم لا يخض أن المملكة إنما هى جزء من جسم المجتمع الإنساني، تجميع قوتها إلي غيرها

 

  • انظر: المرجع السابق، ص2.
  • جريدة المؤيد المصرية يوم الاثنين 17 شعبان، سنة 1307هـ- الموافق 7 إبريل سنة 1890م، العدد 106، ص 1 ( مقال للشيخ احمد ماضي تحت عنوان الوحدة الجامعة).

من قوي الممالك لمنع ما يفسد النظام البشري ويعبث بأركانه الاجتماعية، ودرء ما من شأنه يهاجم النوع الإنساني ويقلق راحته، وذلك لا يحرك المملكة عن استقلالها ولا يسلبها الحقوق الطبيعية لها، ولا يعبث بوحدتها الأولي فكأن الاستقلال فى الحقوق والأعمال سار من الفرد إلي الأمة ومنها إلى المملكة ومنها إلى الاجتماع البشري ملحوظاً فى جميعها داخلاً فى كلها وجزئها (1).

وهكذا دعا الشيخ احمد ماضي إلي وحدة الأمة العربية والإسلامية على أصل ما من يجمع  عناصرها الأولي وحياتها البدائية التى تتسم بوحدة فى المنبت، ووحدة فى الجنس مع اختلاف فرعي فى الدين واللغة والانتماء العرقي.

ولعل من يطالع كتابات الشيخ احمد ماضي فى الجانب السياسي يلحظ اهتمامه بالسياسة المصرية والدولية والنظم العالمية أيضا وقلنا إن هذا التوسع فى الفكر السياسي باعته الرغبة الشخصية والحرص الشديد من الشيخ  احمد ماضي , على مطالعة الصحف الأجنبية ومتابعة الأحداث العالمية وترجمة الجدير منها إلى اللغة العربية.

فيذكر الشيخ أحمد ماضي فى مقالته عن ” السلام فى أوربا” أنه من ألهم النظر فى حالة أوروبا الآن حكم أن القلم اغتصب فيه حقوق السيف، وقام اللسان مقام السنان فجميع المشاكل التى كان يظن أنها لا تخل إلا بالقوة تلافاها اللين، ومعظم الاختلافات التى كانت لا تتبدد ولا بالسيوف بدونها الأقدم، ولم يبق من المسائل إلا ما لا يستلفت الأنظار فى تلك الدول.

ولقد ساعد هذا الحال فى أوروبا اشتغال ملوكها بمد سلطتها على هذا الفضاء الفسيح فضاء أفريقيا الذى أصبح مسرح أبصار ذوي القارة  (1).

وهكذا اتسع الفكر السياسي للشيخ احمد ماضي ليشمل القضايا الوطنية والعربية وكذلك القضايا الدولية والأجنبية.

وقد جاء هذا التنوع نتيجة تعدد الثقافات وإجادة العديد من اللغات التى كان يحظى بها الشيخ احمد ماضي، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفكر السياسي العميق يساعد الحكومات العربية والإسلامية على تخطي العقبات التى تواجهها فى معترك الحياة ومن ثم يجب الالتفات إلى كتابات هذا الشيخ فى هذا الجانب بصفة خاصة والجوانب الثقافية الأخرى بصفة عامة حتى يمكن النفع والاستفادة من الماضي لاستشراف المستقبل.

 

 

 

 

(1)      انظر المرجع السابق : ص1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى