الحرارة وانفعال الأجسام بها

إلى الان لم يمكننا بجميع وسايط العلوم الطبيعة معرفة تأخير الأدوية فى الأنسجة إن كانت بقوة كامنة فيها أو بتغيرا مادية أى تغيرا فى وضع الدقائق التى تالف منها المادة وخصوصا ما يسميه بالأدوية النوعية كتأثير الحامض على المقلة والزيبق فى الزهري والذراريح على المثانة كما أننا لا نعلم ظواهر بعض الأجسام التى يقال إنها فيها بالقوة كالمغناطيسية فى  الحديد والحرارة التى تحصل من التفاعل.

 فلوا طلعنا على ما ذهب إلهي الأقدمون وقابلناه بما ذهب إليه هؤلاء الذين فاتهم لجهلهم باللغة العربية واصطلاحاتها أن يعبروا عن المعاني بألفاظ مطابقة لها فى الواقع لظهر لنا أنهما على طرفي نقيض مع قصور الأوائل وتقصير الأواخر لأننا إذا تتبعنا كلام الأقدمين فى الحرارة مثلا نراهم مرة يحملونها على المزاج فيقولن الصفراء حارة يابسة والدم حارة طب والزنجبيل حار يابس، وهكذا ومرة يحكمون عليها أنها أخف أو يقولون عنصر النار أخف العناصر لأنه الحار.

         أنت خبير أن النار عندهم ليست سوي الحرارة لجهلهم بوزن الهواء والضغط الحاصل منه على ا لأجسام المستلزم لأرتقاع الأجسام المتخلخلة بالحرارة كانوا يقولون أن كل شئ يطلب عنصر ولمجان عنصر النار هو الأعلي فكل حار يطلبه بالطبع، وكذلك الرق المفتوح يرتفع من الماء لأنه يطلب عنصره وهو الهواء.

         ويعبرون عن هذا بالتجاذب الطبيعي. ون هنا نعلم أن العاقر فرحا حار فى الثالثة ويقولون أن صاحب المزاج الحار قد ينتفع بالحار لأنه يحلل من حرارته قدرا كبيرا ولذلك قد ينتفع بالحار لأنه الحارة يستعملون الفلفل للحميات المحرقة ويقولون إنه مبرد وأنت تعلم أن التحليل ليس إلا الأجسام.

 ومن كل ذلك كانوا يطيعون فى أذهان تلا منتهم أن الهواء مثلا مركب من جزئين جز من الحرارة وجزء من الرطوبة.

ومن ذلك يعلم التلميذ كيف يؤثر مثل الزنجبيل فى الأجسام ويظهر لك ذلك كثيرا وتعال بنا نظر ما سطرته أيدي من ساعدتهم الطبيعة على زعمهم وأظهرت لهم مخبأتها فتراهم قد ألبسوا علينا الأمر بعباراتهم المختلفة وتطويلاتهم المعللة قالوا أن الحارة أمرا عتبار ناشئ من اتحاد الأجسام أو احتكاكها وأنت خبير أن الأمور الاعتبارية هى ما ليس لها وجود خارجي كالهيئات وقالوا فى موضع آخر أن الأجسام الموصلة للحرارة تتشرب مقدارا عظيما منها بسرعة حتى إننا لو وضعنا جسما متقدا على رماد مثلا من الأجسام الرديئة التوصيل استمرت الحرارة وبالضد لو وضعناه على سطح جسم معدني جيد التوصيل فإن الحرارة تضعف ويبطل الاحتراق ولست أدري كيف أن الأمر اعتباري يتشرب أو كيف يعظم حجم الأجسام فإن الماء إذا صار بخار لتشربه الحرارة صار أضعاف ما كان عليه فمن أين هذه الزيادة؟ أمن هذا الأمر الاعتباري أى العد من وهو مجال وآلا لزمهم يقولوا بجواز وجود الشئ من العدم البحت وهم يتأففون منه، وأقبحهم من هذا قولهم أن الأجسام المسماة عديمة الوزن كالحرارة والكهربائية والنور والمغناطيسية ليست شيئا آخر سوي تغيرات مادية أى تغيرات فى وضع دقائق المادة.

         فانظر إلى هذا الخلط الفاحسن، فمن يمكنه أن يخدع عقله بعد أن علم أنها أجسام ويجره على أنها تغيرات مادية وأشنع من ذلك ما قاله بعض فلاسفة العصر أن القوة خاصة من خواصي المادة مع أنه دأب واجتهد وجعل لكل شيء سببا طبيعيا أسنده إليه فلا أدري من الذى أضطره إلى القول بالخواص التى…… الآن من خزعبلات القدماء.

         ولا غرو فإن هذا الأستاذ دائما تتضارب أفكاره فإنه فى بعض المواطن أراد أن يثبت قدم العالم وقال أنا لا أستند فى بحثي على شيء من الفلسفة العقلية فإنها وهمية ولكن أستند إلى العلوم الطبيعية والفلسفة العملية، ثم والبث أن قال لو ……. فرضنا وجود قوة مبدعة أبدعت العالم من لا شيء لما أمكن وجودها باعتبار الزمان لا قبل الخلق ولا بعده وتمش هكذا وأنا لا يمكنني أن أتصدر أن هذه فلسفة عملية على أني لست أدري ماذا أراد بالزمان هنا.

         وبالجملة فلنرجع إلي مبحث الحرارة ظهرت مما تقدم أن الحرارة على مذهبهم أمر اعتباري ينشأ من اتحاد الأجسام أو احتكاكها، ولكن لو وضعنا من ماس متساوي الحرارة مقدارين أحدهما فى إناء من الفخار والآخر فى زجاج مثلا ووضعناهما فى محل واحد بدرجة حرارة متساوية أليس أن بعد زمن نجد الماء الموضوع فى الزجاج قد ارتفعت الحارة ومع ذلك لا يمكننا أن نقول أن الأول حصل فيه اتحاد أو احتكاك لأن ما جاز على أحد المثلين جاز على الآخر. أليس أن الهواء بمروره من مسام الفخار تشرب قدرا من حرارة الماء الموضوع فيه وتضطر فى الثاني لأن نقول إن الهواء متحمل لسيال من الحرارة اللطيفة التى يسمح لها الزجاج وبالنقود فتكمن فى الماء ولا يسمح للهواء الحامل لا فتكون الحارة حينئذ جسم قائم بنفسه.

         وتخرج من وصمة القول بالخلاء الذى يأباه العقل السليم ويدلنا ذلك على تثليج الماء الصناعي بضغط الهواء عليه ثم تركه دفعه فإننا نقول إن الهواء بضغطه نقصي حجمه عند رفع الضغط عنه عاد إلى حجمه الأصلي ولكن بعد أن استل من الماء حرارته فصار الماء جليدا فكأنه لم ينقص بالضغط إلا الحرارة اللازمة لوجوده بهذا القدر والشيء المطيع لنواميس الضغط لا يمكننا أن نقول إنه أمر اعتباري ولعلك تقول كيف تنفذ الحرارة بالضغط من الحديد مثلا؟ ولكن هذا الخطب سهل فإننا بغيره نقع فى أسو من القول بالصدفة إذا تقول.

         إن الضغط أعدم شيئا كان له وجود فى نفسه إعداما محصا وهو بديهي البطلان ثم إننا لو نظرنا إلى إلا ندر يذكر بونيك المضغوط ضغطا عظيما من الحرارة ويصيد الباقي بملجأ أعظم برد من ثلج الماء حتى إنه ليكوي الأنسجة التى تلامه لوقعنا فى غرابة عظيمة من القول بأن الحرارة أمر اعتباري ولا يسوءنا أن الحرارة غير قابلة للوزن فإننا لم نكتشف ثقل الهواء إلا الزمن ليس إلا كمن أطلقة على الهواء فى زمن أوسطا ليس الذى كان مرنا كالصوف فمتي تمد كان فيه ميل لانقباض ويعبر حينئذ بأنه متحرك بالقوة أى أن الحركة كأمنه فيه، ولعله يمكننا العود.

  • سورة الحج : الآية: 46
  • كتبها الشيخ احمد ماضي فى العدد 24 يوم الخميس 23 شوال سنة 1304 الموافق 14 يوليو سنة 1887م – السنة الأولي، ص79-81.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى