المقالة الثانية موجهة للشيخ على يوسف

المقالة الثانية (1)

أيها الباحث الذى نظر لما أوجبه عليه لباس الإنسانية فقام بأعباء البحث عن هذه الآفات التى أوقعت المناظرة بين أفراد هذا النوع فانقطعت عنهم عرس الاتحاد وتحطمت منهم قوائم المعاونة جزاك الله عن صنيعك هذا خيرا، ولقد والله أعجبني حسن سيرتك وطهارة سريرتك وهكذا فليكن الرجل الذى يسعي بقدم الدأب وراء الصالح العام، فلا ثكلتك مصرك نظرت يا أخي على ما اعتري أهل هذه الحياة الدنيا من الشتات وتفرق الأهواء وفاسد الطعوية والتحول عن المنفعة الجهل بالمصلحة التحاصل الذى أوقد نار البغضاء فأحرقت مواد المودة وأبقت رماد الغفلة ودخان الحقد، فعلمت بما وهبك الله من العقل أن ذلك كله ناشئ عن ( حب الذات) للجحيم الذى يمتص دم النظام ولعمري لقدي بحثت فوقت على كنه الحقيقة.

  نظرت أخي فرأيت أنه كان الواجب أن تجمع الأفراد قواها بواسطة حب النوع فتجعلها كر يشه نافذة وتركبها فى طرق سهم الاتحاد فتفذ فى قلوب الأيام تذلك سبل المنفعة العامة بعد أن تميت الأغراض الذاتية التى أوقعت الأفراد فى بحر الفساد حين وأطن كل أنه فرد مستقل قادر على جلب المنفعة ودفع المضرة، فأخطأ القصد ووقع فى شبك التغابن فريسة الاضطهاد والفاقة.

 ولا ريب فى أن كل فرد ممتع بقوة بها يجلب المنفعة ويدفع المضرة ولكنها لزهيدة جدأ ويلزمها فى تنفيذ مأرب جري زمن طويل لابد وأن تتقهقر وتتلاش دون الوصول إلى ما تجد أمامها من العقبات التى تلزمها مضاعفة القوة.

 ولتعلم أيها الفاضل أنه ما من صفة مطبوعة فى الذات إلا وقد أرادبها مودعها، جلت قدرته نوعا من المنفعة ولكن لباس الظواهر يسترعي إنسان البصيرة فيخطي القصد منها وتصرف إلى ما وارءها وتكون تحت طابع العادة، كما قدمت لك.

 وحب الذات هو الواسطة لتنظيم القوي فى طرقة المنفعة وهو الباعث لها، فكل قوة فى الإنسان والحيوان طيعة لقاهريته(2)، ولك الانفعالات النفسانية تحت سلطته فلا يتحرك الإنسان حركة تسرية أو إرادية إلا وهو الباعث الذى سلط على الأعضاء التى هى آلات لها. فالغضب الذى هو اندفاع الأرواح إلى خارج الجسم للانتقام بواسطة تشديد القوة الإرادية وانبعاثها بالرغم عنها لم ينشأ إلا بعد أن يتوقد حب الذات فى مويدها وهو القلب، فانقاد إليه وبعث بالدم إلى جميع أنحاء الجسم بقوة شديدة إذا عهد

 

  • كتبها الشيخ احمد ماضي لصديقة الشيخ على يوسف ( الباحث ابن العصر) عندما شكي إليه من سوء خلق بعض الأقرباء والأصدقاء وطلب منه علاج ذلك ” انظر: جريدة الآداب- العدد 19 يوم الخميس 18 رمضان سنة 1304- الموافق 9 يونيو سنة 1887م- السنة الأولي- ص 36-3.
  • أى رادته وعزيمته.

ذلك علمت أن حب الذات هو القائد لجميع القوي التى يبعث بها مؤلفه فى طريق المنفعة، وهو الحافظ لقانون التحسين العام، فلولاه لم ترشيئا حسنا قط ولرايت الإنسان الذى هو كما تراه فى أحسن تقويم على ما كان عليه من التوحش وفساد التركيب. ولتعلم أيضا أنه مسئول على قوتين عظيمتين، الأولي القوة النفسانية والثانية القوة الشهوانية.

         والحد الأوسط هو اعتداله بين هاتين القوتين فلو أفرط فى جهة أحداهما اتسمت دائرة حركاتها وزادت قوتها واستولت عليه شياطين القوة الغالبة فجعلته آلة لأغراضها، فصار الجرح الذى لا يندمل وخرج عن حكم المنفعة البحتة إلى المقرة البحتة فمثلا إذا تسلط حب الذات على القوي الشهوانية أخذت زخرفها وازينت ونشرت عليها القوي الشهوانية لواء النظارة وأقبل الشخص على التجمل والزينة الملاذ وأحب الانفراد بذلك والاختصاص به فتولدت الغيرة، وهى شيطان مارد بيده مرآه الجسد لا يصرفها أبد عن وجه صاحبه، فلا يري أحد إلا وشقه بسهام الحقد متجليا المقت النفسي الذى يكون باعثا له على أن يسلبه جميع الصفات التى تروق له فيهتز حب الذات فى بدنه اهتزاز العمل(1) قائلا: هل ثم غيري؟ وتتحرك جميع القوي لحركته ويأبى هو إلا أن يقف فى طريق الإنسانية موقف السلب والنهب والمقرة.

ومن سوء الحظ أن هذا الداء سريع العدوي، لأن كل من رأس صاحبة لابد وأن تتحرك فيه القوي بينهما عن طرق التمثيل، ومن يتخلص من هذا الداء يقع فى داء أعظم منه فى الغالب وهو التهمة، فلا يركن إلى أحد ولا يأمن أحدا ظنا منه أن كل إنسان على هذا المنهج.

  ونتيجة هذين الداءين تفرق القوي وفساد القلوب واشتمال البغضاء ولا تلبث القوي غلا ويستولي عليها الفعل والبغاء.

ولقد صدقت فى أنه الجحيم الذى يمتص دم النظام وإنه ليسوءنا جميعا أن يتسلط هذا لأداء على أفراد هذه الهيئة فتصبح حادية على عروشها ( وإذا لطف الله بهذه القلوب وصرفها عن سبي الغي إلى سبل الغي إلى سبل الرشاد، لطف الله بهذه القلوب التى أقسمت حدا واحترقت غيره وعميت عن السير فى طرق الفضيلة فإنها لا تعمي الإبصار ولكن تعمي القلوب التى فى الصدور(2).      

         فيا أيها الإنسان مالك قدت نفسك بلاسل حب الذات وأغفلت الواجب عليك لنفسك ولبني الإنسانية ؟ ألم بأن لك أن تر عوى عن هذا الموقف الذى وقفته لا تري فيه إلا نفسك جالسة على أريكة العظمة لا تري لغيرها حقا ولكنها قابضة على حسام الغيرة تود لوا أن كل من تراه فريسة أغراضها الذاتية لا أقول إنك جاهل بهذه المضار التى حاقت بك ولكن الغيرة والحسد منعاك عن مراعات واجب الأخوة والاتحا، وهما عماد المعاونة.

  • أى السكران أو شارب الخمر
  • سورة الحج، الآية: 46.

مالك تتحرك على محور حب الذات فلا تمر على فضيلة إلا حطمتها مالك لعبت بك أيدي العادات فى ظلمات هذه الصفات مالك استهوتك الشياطين المطمعة حتى طبعت على مفاتيح حواسك بطابع الشقاق؟

         مالك زين لك الشيطان سوء عملك فصدك عن السبيل؟ مالك أطمأن فبك إلى وسادس الخديعة؟ لا والله إنا أنت عضو الهيئة الاجتماعية تكدح لغاية لا يمكنك أن تصل إليها إلا بتوثيق عري المحبة أرأيت لو أخلصت الود لأفراد هذه الهيئة وسلكت سبل الوفاق ؟ أليس هذا مما يلقي عن كاهلك ثقيل هذه الأحمال؟ أليس هذا مما يجعلك تباهي بها بالك وحسن مالك هذه العوالم التى صارت تسخر منك وإذا كان فى الأنابيب خلف وقع الطيسن فى صدرو الصعاد وبعد ذلك فقد فأتني أيها الباحث الخطير أن أسالك عندما أخبرتني انك تنشر ما ألفية غليك تحت عنوان ( الآداب) عن القوة التى سددتك لرفع هذه الراية فى بلاد هاجرت منها جيوش المحاسن منذ حين، ولكن الحمد لله الذى وفق هذه البلاد بتوفيقة الجليل ستنار بأنوار المحاسن ورفعت فيها راية ( الآداب).

         ولكن يا أخي قد كنت حذرتك من وضع هذا الكلام فى جو الإذاعة وإني أسمع الآن همسا فى قلوب مظلمة على السنة متشبه تريد أن تحمس بوجه الأدب ولكن منيت قلت إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت (1) فدعهم  أنهم سكرتهم يعمهون(2).

        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى