دور الشيخ احمد ماضي ابو العزايم فى جريدة الآداب

تعد جريدة الآداب من أوائل الجرائد الأدبية التى صدرت فى مصر وكان لها دور بارز فى الحياة الأدبية والاجتماعية فى مصر، صدرت فى بداية عام 1887م، بعد رحلة من العذاب قطعها الشيخ على يوسف مع نظارة الداخلية وقلم المطبوعات فى ذلك الوقت من أجل استخراج الأوراق الخاصة بإصدارها ( الرخصة).

وتبرز مكانة الشيخ احمد ماضي بصورة جلية عند الشيخ على يوسف فى مجموعة المقالات التى كتبها الأول للثاني معرباً فيها عن نصائحه التى ساعدت صديقه الحميم الشيخ على يوسف على تخطي العقبات التى كانت تعوق مسيرة نجاحه وعندما وجد الشيخ على يوسف صديقه وناصحه ( الشيخ احمد ماضي) على هذه الدرجة من الثقافة العلمية والمهارات الأدبية التى ظهرت معالمها فى هذه الرسائل التى كان يبعث بها إليه ومجيباً له عن استفساراته وتساؤلاته خرج على الوعد الذى حثه عليه صاحبه وهو عدم نشر هذه الرسائل أو إذاعة هذه المقالات.

ولعل من يطالع هذه المقالات التى نشرت للشيخ احمد ماضي بجريدة الآداب يلتمس الأعذار للشيخ على يوسف فى خروجه على وعد صاحبه وذلك لما تضمنته من نصائح غالية، وأسلوب بلاغي قشيب وموضوعات متعددة تتعلق بحياة الناس جميعا، ومجموعة من الأفكار الغادرة التى بثها الشيخ احمد ماضي إلى صديقه فى أسلوب راق من الأساليب البيانية التى يتعلم منها القارئ، سلامة اللغة ورغم المعاني الواضحة التى أبرزتها مجموعة المقالات التى حرص الشيخ على يوسف على نشرها فى صدر الصحيفة تحت عنوان ” الطائف الجوي” إلا أننا لم نجد كثيراً من الباحثين الذين كتبوا عن هذه الجريدة أو عن صاحبها إنصافاً للمكانة التى احتلها الشيخ احمد ماضي عند مؤسسة الجريدة والتى ظهرت فى ردود الشيخ على يوسف تحت باب الباحث أبن العصر والتى كشف فيها النقاب عن المكانة العليا التى يتبوأها الشيح احمد ماضي فى نفسه والتقدير الكبير الذى جاء فى نشره هذه الرسائل فى هذا الموضع من الجريدة.

فيذكر الدكتور عبد اللطيف حمزة أنه ” لم يكن مع الشيخ على يوسف حين فكر فى الصحافة شئ من المال، ومع ذلك فقد شوهد هذا الشاب يوماً فى نظارة الداخلية وهو يطلب ترخيصا له بجريدة سماها ” جريدة الآداب” وما كان يحصل بعد ذلك على هذا الترخيص حتى عمد إلي صديق له بالأزهر الشريف هو الشيخ احمد ماضي، كان يعرف فيه ميلاً قوياً للأدب والإنشاء كما كان يعرف أيضاً أن له بعض الثراء.

فاستعان بماله وقلمه على إخراج هذه الجريدة التى بقيت تصدر إلى عام 1307هـ- 1889م(1).

وإذا أعملنا العقل والإنصاف فيما ذكر الدكتور عبد اللطيف حمزة عن الشيخ احمد ماضي نجد انه بعيد عن الموضوعية قريب من الذاتية والإعلاء من شأن الشيخ على يوسف على حساب صديقه الودود الشيخ احمد ماضي.

إن الكلمات التى سطرها هذا الأستاذ الجليل تشير إلى بخس المكان التى أنزلها الشيخ على يوسف للشيخ احمد ماضي كانت غير خالصة وغير صافية بل موقوفة على ثراء الأول واستغلال الثاني للأول فى استنزاف هذا الثراء فى مقابل استرضائه بكتابة بعض الجذاذات أو النتف التى لا تغني ولا تسمن من جوع.

والحقيقة أن الواقع يخالف ذلك، بل يصده بشدة ولا يقبله وذلك لأن الرجوع إلى الواقع ومطالعة مجموعة المقالات التى كتبها الشيخ أحمد ماضي وحرص صديقه صاحب امتياز الجريدة على نشرها فى صدر بعض الأعداد من الجريدة يؤكد ما ذهب إليه هذا العالم الجليل بل إن الردود التى وردت عن الشيخ على يوسف تحت عنوان الباحث ابن العصر تظهر المنزلة الرفيعة التى يحتلها الشيخ احمد ماضي عند صديقه ناهيك عن السمات والخصائص التى تتمتع بها المقالة الصحفية عن الشيخ احمد ماضي  ومن المؤلم حقاً أن الرأي مال إليه الدكتور عبد اللطيف حمزة لم يقل لنا مصدره ولم يشر إلى المرجع الذى استقي منه طبيعة العلاقة التى جمعت بين الشيخ على يوسف والشيخ احمد ماضي.

فلم يرد عن الشيخ على يوسف أنه صاحب الشيخ احمد ماضي من أجل ثرائه أو من أجل استغلاله لإصدار جريدة أدبية والإنفاق عليها.

فيذهب الأستاذ سليمان صالح إلى أن الشيخ علي يوسف بعدها ” وصل الى رئاسة تحرير جريدة ( مرآة الشرق) ثم صدر قرار بتعطيل هذه الجريدة نهائياً فى 25 مارس 1886م فكر بعد ذلك فى إنشاء جريدة أدبية، وقد واجه فى سبيل ذلك الكثير من الصعوبات هى:

 

(1)  د/ عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية فى مصر – دار الفكر العربي القاهرة – الطبعة الاولي – 1331هـ-1951م، 2/42.

  • ضرورة الحصول على رخصة بإصدار الجريدة الجديدة.
  • عدم وجود رأس المال الذى يستطيع به إصدار الجريدة الجديدة.

ولكنه تمكن بمعاونة الشيخ احمد ماضي زميله فى الأزهر من إصدار جريدة ” الآداب” عام 1887م ولم يمض على إصدار هذه الجريدة الأدبية الصغيرة عامان حتى أخذت حظها من الانتشار وقد عرف الوطنيون الشيخ على يوسف من خلال هذه الجريدة (1) ويلاحظ المتأمل فى هذا النص أن السيد سليمان صالح قد تحسن فى حق الشيخ ماضي عندما أشار إلى أن الشيخ على يوسف هو الذى اشتهر عند الوطنيبن بسبب انتشار الجريدة على مدار عامين.

إلا أن التاريخ يثبت خلاف ذلك عندما يذكر الشيخ على يوسف نفسه أن الشيخ احمد ماضي كان على صلة بعظماء مصر السياسيين والمفكرين من هؤلاء سعد باشا زغلول، وعلى باشا مبارك وغيرهم(2).

كما يذكر الشيخ احمد ماضي أنه كان على صلة حميمة بأدباء مصر وساستها ومثقفيها أثناء اشتغاله بمصنب مدير تحرير ” المؤيد” وقبلها بل إنه يشير إلى صداقاته القوية مع الساسة الأجانب والعلماء مثل : مستر براون والسيد رحمة الله عليه الهندي صاحب كتاب ” إظهار الحق” وغيره من المؤلفات الإسلامية(3).

وإذا كان الدكتور عبد اللطيف حمزة معذور عندما ذكر أنه لم يحصل على نسخة واحدة من جريدة ” الآداب”(4) فهل كان الأستاذ سليمان صالح غافلاً عما كتبه الشيخ احمد ماضي فى جريدة الآداب؟ يبدو أن أعين بعض الباحثين لم تر سوي الدور الكبير الذى قام به الشيخ على يوسف فى الصحافة المصرية.

ونحن لا ننكر هذا الدور ولا نقلل منه، ولكننا نعتب على النظر الذاتية للقضايا البحثية وندعو إلى مراعاة الإنصاف والموضوعية فى دراسة مثل هذه القضايا بل والقضايا الأخري. لقد غاب دور الشيخ احمد ماضي فى جريدة الآداب، بل فى الصحافة المصرية من جزاء بعض الآراء التى أبعدته عن هذا الدور بعمد أو بغير عمد ومما يؤكد ذلك ما ذكره الدكتور سامي عزيز عن جريدة الآداب ودورها فى المجتمع ونجاحها فى معالجة القضايا والمشكلات التى تعوق تقدم المجتمع المصري والعربي دون إشارة على دور أحمد ماضي فى ذلك بل إنه اقتبس من إحدى مقالات السيد احمد ماضي

  • انظر: سليمان صالح: الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد – الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1990م، سلسلة تاريخ المصريين – رقم 37 ج1، ص21.
  • أنظر: د/ عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية فى مصر، 4/87-90.
  • انظر: الشيخ احمد ماضي ابو العزائم : وسائل إظهار الحق، ص 3-4.
  • انظر: د/عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية فى مصر،2/42-43.

 

بعض السطور دون ذكر لاسمه أو تنويه لدوره من خلال هذه الكتابات فيذكر الدكتور سامي عزيز أن جريدة الآداب هى أول صحيفة اجتماعية تظهر فى عهد الاحتلال، ولم ترخص الحكومة لعلي يوسف بإصدارها إلا بعد ممانعه طويلة واحتمل صاحبها من المشاق والنفقات ما يتخذ دليلاً على عظم ثباته وقوة عزيمته.

وتعددت آفاق الجريدة، وخاصةً فى عامها الثالث (1889م) وصارت أمسل برغبات الأمة وحاجاتها منها بالأعمال الأدبية أو الفكرية الخالصة فوجهت جهودها نحو الآفات الاجتماعية والعناية بالناشئة من أبناء الوطن وخصصت لذلك مقالات بعنوان ” متي تصلح الأمة؟ تحاول فيها إيضاح أن سبيل الإصلاح ممهدة وتتعجب من عدم سلوك المصلحين هذه السبل وتخشى الصحيفة أن يحدق بالأمة البأس فى طرق الإصلاح وهى كلما همت بأمر عاقتها عوائق وصرفتها نوائب فتثير الأمل فى نفوس الأهالي حتي لا تخبو العزائم أو تكل الهمم (1).

ثم يقتبس من مقالة السيد احمد ماضي بعض السطور عن أهمية العمل فى حياة الشعوب ودور الموظفين فى عقل الأمة فيقول : ” إن الموظفين هم عقل الأمة، وأصحاب الأعمال العقلية إن علت همهم قلماً يلذ لهم عيس لعظم ما يعانون من الاهتمام بجلب النافع والمضار(2)” .

وهكذا غاب دور الشيخ احمد ماضي كما افلت مكانته فى عالم الصحافة عند كثير من الباحثين الذين نفلوا عن المصدر الأول الخطأ الذى وقع فيه، ولم يعودوا إلى الواقع الملموس الذى يؤكد وجود مجموعة من الكتابات التى سطرها الشيخ احمد ماضي فى جريدة الآداب والتى حرص على نشرها الشيح على يوسف وأنزلها منزلة حسنة عندما صنفها تحت عنوان ” الطائف الجوي” ووضعها فى مكانة لائقة من الجريدة تثبت مكانة كتابها ودورة فى عالم الصحافة وأنه من أبرز روادها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى