دور الشيخ احمد ماضي ابو العزايم فى جريدة المؤيد

دوره فى جريدة المؤيد:

جريدة المؤيد هى إحدى الجرائد الوطنية التى كان لها تاريخ وطني كبير، بدأ من اللحظات الأولي لإصدارها ” صدرت جريدة المؤيد أول ديسمبر 1889م كصحيفة وطنية عثمانية خديوية وكانت أول صوت أرتفع بعد الاحتلال بإثارة مسألة الجلاء وهى أولي الصحف التى أدخلت الطباعة بواسطة الروناتيف ( الآلات الرحوبة) وكانت الصحف المصرية قبل ذلك تطبع على ماكينات مسطحة وكانت صفحاتها لا تزيد على أربع ثم تبع المؤيد فى هذا التطور الطباعة صحف الأهرام واللواء والمقطم.

 

  • د/سامي عزيز: الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الإنجليزي – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر – القاهرة – طبعة 1388هـ- 19687م، ص221.
  • السابق: ص 221-222.

 

وصدرت جريدة المؤيد على أثر ظهور جريدة المقطم وكان الهدف هو مواجهة الصحيفة ذات الصنف الإنجليزي الواضحة ولهذا كان طابعها الثلاثي الوطنية المصرية والعثمانية الإسلامية وتأييد الخديوي وكان الاتجاه الواضح للمؤيد هو أنها جريدة القصر، ومن أجل هذا أنشىء حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية.

وقد سار فترة فى اتجاه الحركة الوطنية عندما كان يؤيدها الخديوي، فلما انفصل عنها بعد خروج كرومر وظهور سياسة الوفاق بينه أى الخديوي وبين بريطانيا على أيد المعتمد البريطاني،الذى خلف كرومر ( الدون غورست) تحوب المؤيد من تأييد الحركة الوطنية إلى مهاجمتها وتأييد موقف الخديوي(1) هكذا نلمس دور جريدة المؤيد فى النضال الوطني والتصدي لقوي العدوان البريطاني التى جعلت من جريدة المقطم منبراً إعلامياً لتوطيد قوي الاحتلال وإقناع المصريين بأهميته فى نشر العلم والتقدم الحضاري فى ظل مناخ ديمقراطي آمن، يتيح للشعب حقه فى حياة كريمة وحكم ديمقراطي صحيح فصدرت المؤيد لتكذب هذه الدعاوى وتنشر آيات الفساد والإفساد فى المجتمع المصري وترد على ادعاءات المقطم التى تذيعها عن الاحتلال.

وقصة إنشاء  ” المؤيد” يرويها لنا الشيح احمد ماضي حيث يقول ” أسست أنا وصديقي الشيخ على يوسف جريدة المؤيد وتحملت أهم أعمالها فكنت مديراً ومحرراً  لها فى زمن كان الوطن العزيز فى حاجة شديدة إلي تنبيه الأفكار ويقظتها.

وكان راسل والي آنذاك العلم وميل النفس إلى النفع العام والقلم فبذلت النفس خدمة لوطنى العزيز وهجرت ملاذي حتى كنت أنسي ما لابد منه من الطعام والنوم خدمةً للدين والوطن العزيز فى زمان لم يكن فيه من يقوم بهذا العمل الجليل احد من إخواني المسلمين فى بلادنا(2) ويبرز قول هذا الشيخ الجليل قصة نضاله ودوره البارز فى تأسيس هذه الجريدة عندما يشير إلى أن رأس ماله أنذاك هو العلم والرغبة فى تحقيق النفع للناس وإطلاعهم على حقيقة ما يدور من حولهم وما يعتري مجتمعهم من مشكلات تعوق مسيرته نحو التقدم الحضاري ويظل هذا الشيخ على عهده من البذل للجهد والعطاء من اجل وطنه وأهله حتى يؤثر ذلك على صحته وبدنه، حيث أنتابه مرض بالرئة لم يتركه حتى التهم صحته وقضي على طاقاته العلمية والفكرية المتأججة وفى ذلك يقول الشيخ الكريم ” ولم اتوسط أنا فى العمل ولكني بذلت الوسع حتى ألم بي مرض الزمني الفراس، فكان يتردد علي كثير من علماء الإفرنج لزيارتي بحلوان ويجتهدون فى أن يسألون عن أشياء يجهلون حقائقها ولمرضى كنت أكره الجدل(3).

  • أنور الجندي: الصحافة السياسية فى مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالمية الثانية مطبعة الرسالة – القاهرة – طبعة 1962،ص 55.
  • أحمد ماضي أبو العزائم: وسائل إظهار الحق، ص 3
  • السابق : ص4.

ويشير هذا النص إلى اقتناع الشيخ احمد ماضي برسالته وقداستها ومن ثم لم يألم جهد نحو الدفاع عن وطنه والاستمرار فى شحذ الهم وإيقاظ الضمائر من أجل نهضة شعبية عامة تطيح بالاحتلال وتعيد للشعب كرامته فى الاستقلال وحرية الرأي.

فلم يلتفت على الأمة ولم يركن إلي أوجاعه، واستمدني عمله المقدس بجريدة المؤيد، يترجم الأخبار الأجنبية الواردة، ويرد على الشكاوي الوافدة ويبين للشعب تطورات الوضع على الساحة السياسية ويعرض على أبناء أمته الحول الجادة المستحدثة التى تحل مشكلاتهم وتقضي على عوامل التخلف الحضاري والفساد.

وظل على هذا العهد وهذه الحال حتى وافته المنبة فى صبيحة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 1894م(1).

ويحكي لنا رفاقه الذين عايشوه هذا الجهد وشاركوه هذا الكفاح فى أثناء تحمله مسئولية مدير تحرير جريدة المؤيد والأعباء التى كانت تلقي عليه من وراء هذا المنصب وأثر كل ذلك على صحته وأهله وأولاده فيذكر الإمام المجدد/ محمد ماضي أبو العزائم أنه كان ملازماً بشقيقه الأكبر السيد احمد ماضى” المشهور ببلاد مصر بعلوم الدين وبخدمة الوطن، وهو الذى أسس جريدة المؤيدة خدمةً لجماعة المسلمين(2).

ولعل العمل المضئ الذى كان يقوم به الشيخ احمد ماضي فى المؤيد هو الذى حث الإمام أبو العزائم على القول بأنه هو الذى أسس جريدة المؤيد ولكن الإنصاف يقتض أن نذكر دور الشيخ على يوسف فى تأسيس هذه الجريدة وأنه هو الذى كلف من رياض باشا ناظر الداخلية فى ذلك الوقت وبواعز من الخديوي عباس الثاني إنشاء صحيفة وطنية تتصدي للتيار المستغرب الذى تدعو إليه جريدة المقطم وتنصره من خلال دعاوى الاحتلال البريطاني الزائفة(3).

كما يشير نجله الأكبر السيد محمود احمد ماضي أبو العزائم إلى دوره فى هذه الجريدة السياسية التى ظفرت منه بجهد جهيد وعمل شاق ما عليه من مزيد فى عصر تضافرت فيه عليه الأعداء من كل صوب وحبت عليه فيه الأعاصير الهوج من كل ناحية ثم صمد لهذه الأعاصير  وتلك الحوادث فقد حدثني شقيقه السيد محمد ماضي أبو العزائم أنه كان معنياً بتحرير المؤيد يوميا، وبترجمة أخبار ” روتر” و ” هافاس” وباستطلاع الأخبار اليومية من دواوين الحكومة كل يوم صباحاً ومن

 

  • انظر: السيد محمود احمد ماضي أبو العزائم: الإمام محمد ماضي أبو العزائم صفحات من حياته ج 1، ص 23-24.
  • الإمام محمد ماضي أبو العزائم”: أصول الوصول، ص 3.
  • سليمان صالح: الشيح على يوسف وجريدة المؤيدة ،ص 21.

مجالسه الخاصة ليلا، تلك المجالس التى كان يتردد فيها على اصدقائه من عظماء مصر وأعلامها، والذين كانوا يسرون إليه بخفي الأمور، مما جعل ” للمؤيد” فى ذلك العصر القدح المعلي فى مصر وفى العالم الإسلامي شرقا وغربا(1)“.

ويوضح هذا النص معالم الدور الذى قام به الشيخ احمد ماضي كما يحدد المحاور التى يؤديها فى هذه الجريدة يومياً وهى:

1-العناية بتحرير المؤيد وكتابة المقال الافتتاحي:

         كان اشتغال الشيخ احمد ماضي بمنصب مدير تحرير المؤيد من أهم المدرات التى تسوغ له القيام بأعمال صاحب امتياز الجريدة وكتابة المقال الافتتاحي أثناء غيابه عن الجريدة وذلك حسبما نص عليه قانون الجريدة والذى أقره السادة أعضاء مجلس التحرير.

وبعد المقال الافتتاحي من أهم المقالات التى تعبر عن مستوي الجريدة ومنزلتها عند القارئ وعند الجمهور ” ويطلق عليه الإنجليز والأمريكيون Editorial article  أو Leading article وهو المقال الرئيسى للصحيفة وله فن خاص به من حيث الصياغة.

وأساس هذا الفن هو الشرح والتفسير والاعتماد على الحكم المنطقية حيناً و العاطفية حيناً آخر للوصول إلى غاية واحدة فقط هى إقناع القارئ كما أن كاتب المقال الافتتاحي فى الجرائد الكبرى، مثل ” التبيمي” و ” الهيرالدتر” يبيون، يكون معروفاً لدي جمهور القراء بمعني أنهم قد تعودوا أسلوب كاتب المقال الافتتاحي الذى يجب ان يتميز بالسلامة والبساطة والوضوح والإيناس بين الكاتب والقارئ.

ولذلك نجد كاتب المقال الافتتاحي الذى لا يوقع اسمه معروفا لدي جمهور القراء الذين تألفوا مع أسلوبه، وتعودوا علي فتح الصحيفة فى صفحة معينة لقراءة ما يكتبه كاتبهم المفضل البسيط الأسلوب المقنع فى كتابته.

وقد كتب الشيخ الجليل مقالات افتتاحية عديدة خاصة فى الفترات التى سافر فيها الشيخ على يوسف مرة إلي تركيا، ومرة أخري إلى لندن(2). وتشير الدراسات التى كتبت عن نشاط هذه الجريدة ومنزلتها عند الجمهور وحجم الإعداد التى كانت تزداد يوما بعد يوم فى الانتشار والتوزيع قد بلغ توزيع الجريدة فى طورها الأول من (1000) نسخة إلى (1200)(3) نسخة ثم زادت الإعداد إلى أكثر من الضعف بسبب الدور السياسي الرائد التى قامت به المؤيد ضد الاحتلال البريطاني من جانب والإلهام فى حل مشكلات الشعب من جانب آخر.

 

  • انظر: سليمان صالح: الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد، ج1 ص 122.
  • انظر: سليمان صالح : الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد، 1/23.
  • انظر: در رمزي ميخائيل: الصحافة المصرية والحركة الوطنية ، ص 71.

وكان ذلك الانتشار الواسع فى عهد الشيخ احمد ماضي الذى واصل مع صديقه الشيخ على يوسف القيام بالمسئولية الوطنية التى ألقيت على عاتقها من الشعب المصري والحكومة المصرية.

 

2- ترجمة الأخبار الواردة من الصحف والمجلات الأجنبية:

اشتهر الشيخ احمد ماضي بإتقانه للغات الأجنبية ومعرفته ببعض الساسة الأجانب وكذلك الدوريات وأهم الصحف المجلات التى تصدر فى الغرب ومن ثم كانت ترجمة الأخبار الواردة من الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء من الأعمال المنوطة به والمقالة على عاتقه خاصةً بعد أن عرف عن الشيخ على يوسف أنه لم يتعلم اللغات الأجنبية(1).

فكان الشيخ احمد ماضي يتلقى الأخبار الخارجية ويقوم بترجمتها تحت عنوان” الحوادث الخارجية” ومن الحوادث التى ترجمها فى أحد أعداد المؤيد ما جاء فى جريدة ( الريفيل ديه ماروك) الأجنبية عن الأجانب فى مراكش المغربية ما تعريبه ” لا يخفي أن قنصل جنرال دوله البرتغال وقنصل النمسا والمجر، قدموا بطريقة رسمية منشوراً إلى وكيل ملك مراكش طلبوا فيه من حكومة هذا الملك أن تتذكر تعهداتها السابقة بخصوص أمن الأجانب، فأظهر لهم حضرة الوكيل أنه مصادق على رأيهم فى كل ما احتواه المنشور المذكور وأنه سيبذل جميع ما فى وسعه من المساعي ليحمل الملك على أجراء الطرق الفعالة الأمن المتوطن من الأجانب فى مملكته، لكن لم يوقع على هذا المنشور المذكور بقية قناصل الدور مع أنه فى صالح الأوربيين، ولا لوم عليهم فى ذلك حيث لم ترد إليهم تعليمات من حكوماتهم وإن كانوا لم يوقعوا عليه تحريراً فما برحوا يتكلمون بأفصح لسان مع وكيل حكومة مراكش ويهددونه ويعاتبونه عما سلف من السرقة والتعدي على منزل قنصل ايطاليا ويطلبون منهم إيجاد ترتيبات فى مصالح الضبط والربط لاستثبات الأمن العام.

ومن المؤهل نجاح مشروعهم وتلبية طلبهم فالشكر لهم على جهدهم المبرور ولاسيما إذا صادف أذناً واعية (2).

ونلاحظ من مجموع الأخبار الخارجية التى ترجمها الشيخ احمد ماضي أنه بعد ان يترجم الخبر يعلق عليه ويدلي برأية فيه، كما تبين لنا فى الخبر السابق وبذلك يكون الشيخ احمد ماضي من الرواد الذين وضعوا قواعد الخبر الصحفي ومن أهم القواعد:

 

 

  • انظر: سليمان صالح: الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد، 1/19.
  • جريدة المؤيد المصرية- يوم الخميس 26 ربيع الثاني سنة 1307هـ- الموافق 19 ديسمبر، سنة 1889م، العدد 13،ص 1

 

1- أن يكون الخبر صالحا ًلمستوي النشر ( ذات أهمية).

2- أن يكون متوافقاً مع المناخ العام للجريدة والوطن.

3- أن يحرص الكاتب على الإدلاء برأية فيه.

ومن ثم يمكن القول بأن ترجمة الأخبار الخارجية تحتاج إلى دراية كاملة بشئون السياسة الخارجية ومعرفة شاملة بالأحداث العالمية، حتى يتسنى للمترجم أن يتوصل إلى أسباب الخبر ومتي حدث وكيف حدث، والغاية من نشره فى الصحف.

3- استطلاع الأخبار اليومية فى داخل البلاد:

كانت الأخبار الداخلية التى تحدث فى داخل مصر والعالم العربي والإسلامي من أهم الاختصاصات التى أسندت إلى الشيخ احمد ماضي وكان هذا الشيخ الجليل يضعها تحت عنوان” الأحداث الداخلية”.

وجاءت هذه الحوادث على صورتين، أحداهما قصيرة، والأخرى: طويلة إلى حد ما، وتتناول الأحداث المتعلقة بأعمال الحكومة وكذلك الأخبار التى تعرض قضايا الشعب على الرأي العام.

ومن هذه الأخبار ما نشر فى جريدة المؤيد عن الجمعية العمومية لحكومة رياض باشا حيث يقول الخبر ” انتظم عقد الجمعية العمومية فى صباح هذا اليوم عندما مضي ثلاث ساعات ونصف من الساعة العربية، فتلي محضر الجلسة الماضية وأقر عليه الأعضاء، ثم ابتدأ دولة رياض باشا ناظر النظار فشرح فوائد هذا المشروع العميم النفع فاستوجبت به الجمعية شكر الحكومة بإقرارها عليه، وكان فى خلال ذلك يدار بعض الملاحظات التى تتوهم بالبراهين القاطعة والحجج الدافعة بعبارة مع كونها جمعت بين الإيجاز والمجاز واجتلبت القلوب والأفئدة شفت عما لدولته من الغيرة على تقدم الوطن والشفقة على ضعفاء الفلاحين وكانت تري السكينة والوقار قد مدا رواقها على تلك الهيئة علامةً على الاستحسان المطلق.

حيث ان دولة رئيس النظار لديه نصيب من المكانة العليا فى قلوب الوطنين وما ناله من الثقة العامة فى أفئدتهم بأعماله المشهورة ومآثره المأثورة ثم انقضت الجلسة فخرج الكل وقلوبهم مليئة بالسرور يدعون الله العلي الأعلى أن يوالي السعادة والخير على البلاد ويحفظ سمو أميرهم الكريم ورجال حكومته المخلصين.

علمنا أنه كان فى هذا اليوم أنتهاء أعمال الجمعية العمومية وربما تجتمع غداً لسماع الأمر العالي الذي يقضي بانفضاضها هذه المرة وربما تنعقد(1).

 

(1)      جريدة المؤيد المصرية- يوم الأربعاء 25 ربيع الثاني، سنة 1307هـ- الموافق 18 ديسمبر، سنة 1889م، العدد 12،ص 2.

وإذا كانت المؤيد تهتم بنشر اجتماعات الحكومة وأهم أنشطتها اليومية، فإنها تهتم أيضا فى نشر الأخبار المتعلقة بمشكلات الشعب وتحرص على إبداء الرأي فيها وحث الحكومة على حلها.

ومن هذه الأخبار الداخلية التى كتبها الشيخ احمد ماضي ما جاء عن مياه النيل بالنسبة للشعب المصري والمشكلات التى تواجه مياه النيل، حيث يقول ” فلنا فى مؤيد أمس أن مياه النيل بالنسبة للإنسان المصري هى بمنزله الدم الجسد.

ومعلوم أن مدار الحياة على انتظام سريان هذا الدم فى جميع العروق والشرايين والأوردة كل بحسب حاجته منه فإذا زاد أو نقص فقد اختل ميزان حياة الجسد فيقضي ذلك إلي الضعف .

غير أن الجاهل الذى لا يعرف قوانين الصحة أقل ضراراً من الفلاح الذى لا يعرف وظيفة توزيع المياه بمقتضي القواعد المدنية والهندسية فى بلاد مصر لأن الأول لا يتعدي ضرور غيره، بخلاف الثاني فإنه قد يضر نفسه وغيره إذا تعدي على قطع حاجز أو سد مصرف لأخذ مياه أو منعها.

والقوانين المصرية وإن راعت المخالفات فى المنافع العمومية وقدت لها حدود وجزاءت غير أنها جعلتها أسوة بغيرها فى المخلفات مع أن الأضرار التى تترتب عليها قد لا تقدر بالجزآت التى لا تتعدي الغرامة القليلة أو الحبس زمنًا ما.

ورب ذى جريمة تختص بالري بسبب ارتكابها إعدام حياة مشين من الأنفس بسبب شرف الدف من القدادين أو غرف ألوف من الأنفس وتلاف كثير من الأموال.

فيا حبذا لو جعلت الحكومة السنية قانوناً يختص بأعمال الري ورتبت له عقوبات مدنية وجسدية بقدر ما يترتب على تلك الجرائم أو بما يزيد عنها ودورها تعتبر ظاهرة حينما تحدث للناس قضية بقدر ما أحدثوا من الفجور فتكون حينئذ قد وفت بحقوق البلاد ومطالب حياة الأمة وهذا المؤيد يقترح على أولي الشأن هذا الأمر الذى فاتنته الجرائد السابقة وكم فات الأول للآخر(1).

ويبدو من هذه الأخبار الداخلية أنها جديرة بالذكر لأنها تمس جانب البلاد من الجانب الحكومي ومن الجانب الشعبي أيضا ويلاحظ فيها أن كاتب هذه الأخبار مريض على الإعراب عن موقفه وموقف المؤيد منها ومن ثم كانت أهمية نشر هذه القضايا الشعبية فى هذه الجريدة الرسمية، ويتعجب كاتب هذه السطور من هذا الجهد الجهيد والأعمال الصحفية الشاقة والمتعددة التى كانت ملقاة على عاتق الشيخ احمد ماضي ولم يجد لها صدي عند مؤرخي الحركة الوطنية لهذا العصر.

 

 

 

(1)      جريدة المؤيد المصرية- يوم الأربعاء 25 ربيع الثاني، سنة 1307هـ- الموافق 10 ديسمبر، سنة 1889م، العدد 12،ص 2.

بل إن النتف والجذاذات التى وردت على هامش المؤلفات التى كتبت عن الصحافة الوطنية فى عصر الشيخ احمد ماضي بعدت كثيراً عن الموضوعية والحياد عندما رفعت ذكره بعض كتاب هذه المرحلة التاريخية، وخفضت ذكره بعض الكتاب الآخرين وفى مقدمتهم الشيخ أحمد ماضي.ويا ليت الأمر توقف عند غفلة الذكر أو محطة النسيان ولكنه تبعد إلى أبعد من ذلك عندما جاء التنويه عن دور هذا الشيخ مشيناً ومسيئاً إلى شخصه وقلمه الذى جاهد فى سبيل الله تعالي والوطن سنوات عديدة حتى أخني بدنه وأضعف صحته(1).

فيذكر الدكتور عبد اللطيف حمزة الذى اظهر إعجابه وولاءه للشيخ على يوسف ودوره فى الصحافة المصرية والوطنية فى مقدمة كتابة أدب المقالة الصحفية فى مصر(2) وكان لهذا الإعجاب الشديد تأثيره السلبي على الشيخ احمد ماضي دون غيره من كتاب هذه المرحلة فيذكر الدور الذى قام به الشيخ على يوسف من أجل إصدار جريدة المؤيدة والصعوبات التى واجهته فى ذلك فيقول ” فى سنة 1307هـ 1889م فكر الرجل على يوسف فى إنشاء هذه الجريدة الجديدة وهى جريدة ” المؤيد” وقد شجعه عليها ما شاهدة قبل ذلك من إقبال الناس علي جريدة الآداب، وما عرفة من بهم الشديد لها والأقلام المحررين بها.

ثم ما هو إلا أن حصل الشاب على ترخيص له بهذه الجريدة الجديدة حتى عمد مرة أخري إلى صديقة القديم الشيخ احمد ماضي، فأمده هذا الصديق بمائه جنية استعان بها على هذه الجريدة الجديدة التى صدر العدد الأول منها فى 8 ربيع الثاني سنة 1307هـ الموافق أول ديسمبر 1889م، غير أن الشيخ احمد ماضي لم يلبث بعد بضعة شهور من إنشاء الجريدة أن اعتراه مرض أقعده عن العمل فيها وكف يده كذلك عن تقديم المعونة المادية لصاحبها.

ولاشك أن الجريدة كانت فى أول نشأتها تحتاج إلى نفقات كثيرة وأن إيرادها كان لا يكفي للإنفاق عليها بحال ما وتلك كانت أول الصعوبات التى واجهت السيد على يوسف فقد مرض الشيخ احمد ماضي ، ولم يكد يعود إلى العمل فى الجريدة حتى اختلف مع الشيخ على يوسف اختلافا أدي إلى الخصومة وترك الشيخ احمد ماضي صديقه وحيداً فى هذا الطريق ولكن عزيمة الشيخ علي كانت ترافقه فى كل مرحلة من مراحل حياته، فلم يضعف ولم يتردد بل فوض أمره فى هذه المرة للقدر الذى بعث إليه يومئذ بصديق جديد وهو سعد بك زغلول المحامي سعد باشا فيما بعد ففصل بين المتخاصمين وأرضى الشيخ احمد ماضي بقدر من المال وحمله على ترك الجريدة نهائياً ليستقل بها الشيخ على يوسف(3).

  • د/ عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية فى مصر ، 4/5 -8.
  • انظر: جريدة المؤيد المصرية، من سنة 1889 حتى سنة 1991م، حيث المقالات والأخبار الداخلية الخارجية التى كان يقوم بها الشيخ احمد ماضي.
  • د/ عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة فى مصر: 2/43، 44.

ويلاحظ من يدقق النظر ويعرف تاريخ الأحداث، أن ما جاء فى هذا النص من معلومات غير صحيح، هذا بالإضافة إلى ظلم واضح لحقيقة الدور الذى قام به الشيخ ماضي أما المعلومات البعيدة عن الصواب فأدلها المدة التى ذكرها الدكتور حمزة والتى تبين وجود الشيخ احمد ماضي مع الشيح على يوسف ستة أشهر فقط وهذا غير صحيح لأنه من الثابت أن الشيخ احمد ماضي كان مدير لتحرير المؤيد لمدة عامين بالإضافة إلي المقالات الدالة على شخصه طوال هذه الفترة وثانيها: أن نشأة المؤيد لم تكن نتيجة انتشار جريدة ” الآداب” التى أصدرها الشيخ على يوسف وإنما كانت النشأة والموافقة على أصدراها من رياض باشا بسبب رغبته ورغبة الخديوي فى إصدار جريدة وطنية تتصدي لجريدة المقطم التى كانت تروج للاحتلال الإنجليزي فى ذلك الوقت (1).

وثالثها: أن تدخل سعد باشا زغلول كان يوعز من الشيخ احمد ماضي، وكان مديراً  لأعماله ووكيلا عنه فى القضايا وما شابه ذلك(2).

ومن المؤسف ان السيد على يوسف هو الذى أوحي إلى الدكتور عبد اللطيف حمزة بهذه الأمور عندما ذكر فى حديثه عن الصعوبات التى واجهت إصدار ” المؤيد” إلا أنه لم يظلم الشيخ احمد ماضي ولم يبخس حقه، كما فعل الدكتور عبد اللطيف حمزة، بل احترم رفات صديقة المتوفى، وصرح بأن السيد احمد ماضي هو الذى اختار سعد زغلول ليكون حكماً فيما بينهما(3).

ومن العجيب أيضا أن تأتي معظم الدراسات التى أرخت للصحافة الوطنية فى ذلك العهد على منهج واحد متأثر بنهج الدكتور عبد اللطيف حمزة.

فيشير الأستاذ أنور الجندي إلي مكانة المؤيد ودورها فى تخريج جيل من رواد الصحافة فى مصر والعالم العربي دون ذكر للسيد احمد ماضي حيث يقول وكان المؤيد مدرسة كبيرة للصحافة تخرج منها أغلب كتاب الصحافة وفى مقدمتهم مصطفي كامل وسعد زغلول وعباس العقاد والمنفلوطي وحافظ عوض وعبد الكريم سلميان وتوفيق البكري وفتحي زغلول والمويلجي والهلباوي وقاسم أمين وإسماعيل أباظة”(4).

 

 

 

  • الدكتور إبراهيم عبده: تطور الصحافة المصرية – مؤسسة سجل العرب- القاهرة الطبعة الرابعة ( مزيدة ومنفحة) 1402هـ- 1982م، ص153.
  • السيد محمود احمد ماضي أبو العزائم: الإمام محمد ماضي أبو العزائم، صفحات من حياته، 1/21.
  • انظر: د/ عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية فى صمر ، 4/87.
  • أنور الجندي: الصحافة السياسية فى مصر، ص 162.

 

أبن الشيخ احمد ماضي فى هؤلاء الرواد ؟ ولماذا اسقط أسمه؟ علما بأن السيد أنور الجندي بذكر بعد ذلك مباشرة أنه ” عندما توقف المؤيد على أثر الخلاف بين صاحبية ( احمد ماضي وعلى يوسف) وانسحاب الأول تقدم سعد زغلول المحامي إذا ذاك إلى الشيخ على يوسف وساعده ماديا بما مكنه من مواصلة إصدار المؤيد(1).

إذاً كان السيد أنور الجندي على علم بمشاركة السيد على يوسف إدارة المؤيد ولكن لماذا أغفل ذكره ضمن جيل الرواد الذين تخرجوا من هذه المدرسة؟ وإلي مثل ذهب كل من الدكتور محمود شريف (2) والدكتور سامي عزيز (3) والدكتور إبراهيم عبده (4) وغير هؤلاء من الباحثين الجدد وتفسير ذلك من وجهة نظرنا ان هؤلاء الباحثين إنا وقعوا فى هذا الخطأ غير المتعمد لعدة أسباب منها.

  • بناء أحكامهم على ما جاء فى كتاب الدكتور عبد اللطيف حمزة.
  • عدم حرص الشيخ احمد ماضي على كتابة أسمه تحت سجل مقالة يكتبها إلا أن هذا السبب لم يكن تقصير ولا إثما وقع فيه هذا الشيخ ، لأن الشيخ على يوسف نفسه لم يكتب أسمه على العديد من المقالات، ورغم ذلك حفظ المؤرخون مكانته ودوره فى الصحافة المصرية والعربية.
  • عدم مراعاة الدقة العلمية والمنهج الموضوعي فى الكتابة عن الشيخ أحمد ماضي من هؤلاء الباحثين.

ونحن لا نؤاخذهم على ما ذهبوا ولا نحاكمهم فيما قالوا به، ولكننا ندعو من خلال هذه الدراسة إلى التفات الباحثين فى ميدان الصحافة والإعلام إلى دراسة شخصية الشيخ احمد ماضي فى ضوء منهج علمي صحيح يقوم على الحياد ويأخذ بالموضوعية حتى يمكن استكشاف ما خفي علينا من جوانب أخري وأدوار أخري قام بها هذا الشيخ فى الصحافة المصرية والعربية والإسلامية.

مكانة الشيخ احمد ماضي فى الصحافة المصرية والإسلامية نستطيع القول بعد هذا التطواف فى عالم الشيخ احمد ماضي أنه كان من أوائل الرواد الذين حددوا معالم الصحافة المصرية والعربية كما أنه من رواد الصحافة الإسلامية الذين وضعوا القواعد والحدود المبينة لمعالم هذه الصحافة، ورسموا الطريق لمن جاء بعدهم فى تطوير وتجييد هذا الفن الصحفي الإسلامي.

كما يمكن القول بأن الدور الحقيقي الذى قام به السيد احمد ماضي فى الصحافة المصرية والإسلامية لم يستوف حقه من قبل الدارسين والباحثين ولذا فإن هذه الدراسة تدعو الجارين من أهل البحث العلمي إلى اكتشاف أبعاد هذا الدور والتعرف على أهميته فى تطوير العمل الصحفي فى مصر والعالم الإسلامي.

  • السابق: ص162.
  • د/ محمود شريف: فن المقالة، ص 95.
  • انظر: د/ سامي عزيز: الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال،ص 174.
  • انظر: الدكتور إبراهيم عبده: تطور الصحافة المصرية، ص 153.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى