وفاة الشيخ احمد ماضي ابو العزايم

وفاته:

       كان السيد احمد ماضي حريصا على الوفاء بما عاهد عليه جمهوره وقراءه أمانة الكلمة وصدق الإحساس تجاه ما تمر به الأمة الإسلامية والعربية من أحداث جسام تقيد حركاتها وتعوق تقدمها نحو التحضر والرقي.

كما كانت  المسئولية العظمي التى ألقاها الشيخ على يوسف على عاتق السيد احمد ماضي ذات أثر كبير على صحته وعافيته التى استهلكتها العمل فى جريدة المؤيدة المصرية حيث كانت جريدة يومية تتطلب كثيرا من الجهد حتى يمكن تربعها على عرش الصحافة المصرية والعربية آنذاك.

فكان السيد احمد ماضي مدير تحريرها لمدة تزيد عن عامين، تحمل خلالهما أعباء النشر والكتابة فى شتي المجالات والأحداث التى كانت تواجه الأمة العربية وكان الشيخ على يوسف على سفر دائم خارج البلاد. كما كانت ثقته فى صديقة الوفي الشيخ احمد ماضي ( الطائف الجوي) من وراء غيابة الكثير عن مصر ودعن الدور المنوط به تجاه هذه الجريدة.

 

 

(1)  انظر: جريدة الآداب المصرية – الاعداد (19-20-21-22-23) لسنة 1889م وانظر: جريدة المؤيد اليومية – لسنة 1889م -1891م

 

وكان السيد احمد ماضي صابر ومثابر على هذا العمل المضني، ولذلك ” ارتفع ذكره وعلا شأنه واحتلت جريدة المؤيد مكان الصدارة فى صحف الشرق العربي ولكن سرعان ما أثر هذا المجهود المضني على صحة الشيخ احمد ماضي، وانتابه مرض بالرئة أجهر على قوة شبابه حتى اعتلت صحته(1).

ولما تغلب المرض على الشيخ احمد ماضي وانقطع عن الكتابة لجريدة المؤيد استثمر بعض شياطين الإنس هذا الانقطاع المشروع وأوقعوا بين الصديقين ( والشيخ احمد ماضي والشيخ على يوسف) ” و دب بينهما خلاف أنتهي باستقلال على يوسف بالمؤيد مقابل عشرين جنيها ذهبيا(2).

وقد زاد هذا الأمر من ضعف الحالة الصحية للسيد احمد ماضي عندما نفدت هذه الجنيهات على الداء والدواء دون تحسن فى الصحة أو تقدم فى  العافية فعز ذلك على أحد أصدقاء وأقرب أطبائه فنصحه محمد دري باشا بالإقامة فى جو جاف فسافر إلى المنيا فى أواخر عام 1893م ليقيم عند شقيقة السيد محمد ماضي (3) هو وباقي أفراد الأسرة.

فسر بذلك الإمام أبو العزائم وحقق له ولأفراد عائلته كل سبل الطمأنينة وطرق العلاج وكان ذلك فى أواخر عام 1893من الميلاد ويصف السيد محمود ماضي ابو العزائم نجل السيد احمد ماضي و المترجم له الأيام الأخيرة وما حدث فيها فيقول ” ولم يبدأ شهر ديسمبر فى تلك السنة حتي لحق به شقيقه وعائلته وأخواه السيد محمود وأبو الحمايل وكان قد عد له سكناً بجوار مسجد سيد فتحسنت صحته فى الأسبوع الأول من إقامته بالمنيا.

ولكن الرياح على حد قول الشاعر تأتي بما لا تشتهي السفن، ولم يخطر على بال تلك العائلة الوادعة التى ظفرت بطلبة عائلتها من دفء فى الجو أن تواجه أزمة عصيبة بفقد عميدها فى نكسة لم تمهلها ساعات وفى صبيحة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 1894م السابع من رجب سنة 1311هـ، وبعد أن فرج شقيقة المدرس لمدرسته وكانت حالته على غير ما يحبها شقيقه إذا بهذه النكسة تصيبه ولما أحن بالموت استدعي شقيقة من المدرسة فجاءه على عجل ومعه مفتش صحة المديرية وجمهرة من أصدقائه الأطباء الذين فحصوا شقيقة فحصان دقيقا ووصفوا له بعض

 

  • السيد محمود أحمد ماضي ابو العزائم: الإمام محمد ماضي أبو العزائم صفحات من حياته ج 1 ص 21 بتصرف.
  • احمد حسين الطماوي: مقال بجريدة الأخبار المصرية – العدد 24 لسنة 1978، ص 6.
  • احمد حسين الطماوي: مقابل بجريدة الأخبار المصرية، ص 6، عام 1978م

 

 

الأدوية الملطفة لحدة النكسة ولكن الأمر لم يطل فقد لفظ نفسه الأخير مبكياً على شبابه تاركاً وراءه حسرة فى قلب شقيقة لم تفارقه طوال أيام حياته ولوعة كنت أحسن أثرها فى نفسه كلما عاودتنا ذكراه طبيب الله ثراه وجعل الجنة منقلبة ومتواه وسرعان ما طير البرق هذه الفجيعة إلى الصحف (1).

فنشرت جريدة ” الفرائد المصرية خبر الوفاة مقدمة العزاء للإمام محمد ماضي ابو العزائم حيث جاء فى الخبر فى 13 يناير سنة 1894م كانت وفاة الشيخ احمد ماضي أحد محرري جريدة المؤيد الغراء وخوجة العلوم العربية بمدرسة الأقباط الكبري سابقا.

وقد كان الفقيد المشار  إليه عالماً فاضلاً كثير الإطلاع طويل الباع ليس فقط فى العلوم العربية بل فى غيرها من الطبيعيات والرياضيات ولطالما قام بالمباحث المهمة وألقي الخطابات الجمة فى جمعية الاعتدال التى لم يسبق لها فى الديار المصرية مثال .

 

ولقد أسف على فقد هذا الفاضل كل من عرف شريف خصاله ومكارم أخلاقه وكانت وفاته بالمنيا فشيعه أعيانها ووجهاؤها بمشهد حافل يليق بمقامه وقضي مأسوفاً عليه فى نضاره عمره، فتقدم لحضرة أخيه الفاضل الشيخ محمد ماضي مراسم التعزية ونسأل الله تعالي أن يلهمه الصبر والسلوان(2).

وفى مقبرة أحد أعيان المنيا ويدعي علي أفندي حظو كان مثواه الأخير حيث دفن الجسد الطاهر فى حوش عائلة هذا الرجل. ويذكر السيد محمود احمد ماضي ابو العزائم عن السبب الذى أدي إلى أن يدفن السيد احمد ماضي فى مقبرة على أفندي حظو يكشف به ملامح قبول والده عند الله تعالي وعلوا مكانته وسمو درجته فى الجنة إن شاء الله تعالي فيقول ” جاء حضرة ناظر مدرسته ومعه رجل من المنيا لم يعرفه الأستاذ من قبل، وانتحي به الأستاذ ناحية من المجلس وإذ به يعرف نفسه لأستاذه أنه على أفندي حظو وأن له رسالة يريد أن يؤديها ولما سأله الأستاذ عن هذه الرسالة قال : رأيت الليلة الماضية أن سيدي أحمد البدوي جاء وقال لي : لقد مت هذه الليلة ببلدكم، فقم وادفني بمكان كذا فى مقبرتكم واستيقظت من نومي عم استغرقت فى النوم ثانية فجاءني هذا الشيخ مرة ثانية وأيقظني بعد أن ألقي على ما ألقاه فى المرة الأولي وقبيل صلاة الفجر جاءني الثالثة وردد لى ما ذكره أولا وزادني أن أهب إلى المدرسة الأميرية فستجدني هناك وما أن أصبحت حتى هرولت إلى المدرسة وألقيت بحضرة الناظر شبابه وصلاحيه وتقواه(3).

  • السيد محمود احمد ماضي ابو العزائم: الإمام محمد ماضي أبو العزائم صفحات من حياته، ص 1 ص 23، ص 24.
  • السيد محمود احمد ماضي أبو العزائم : الإمام محمد ماضي أبو العزائم صفحات من حياته ج 1 ص 24.
  • جريدة الفرائد المصرية – العدد 7 -15 يناير سنة 1894 م – 8 رجب سنة 1311هـ – السنة الثانية – ص 97.

 

ولم يكن ذلك ضرناً من نسج الخيال أو قصة أسطورية حكاها نجله السيد محمود ليرفع بها شأن والده عند الناس أو حتى عند أهله ولكن يمكن القول بأن رحمات الله تعالي قريبة من المحسنين ويعد السيد احمد ماضي من أصدق المحسنين مع الله تعالي ومن اخلص المخلصين لأهله وزاويتة وأبناء أمته العربية والإسلامية.

وتشهد كتاباته بمدي إخلاصه لله وللوطن، ودرجة صدقة مع نفسه ومع أبناء العروبة والإسلام ويكفي أن تشير إلى جملة المقالات التى كتبها السيد احمد ماضي عن الدين بجريدة الآداب المصرية التى أرودها المؤلف فى القسم الثاني من هذا الكتاب.

كما تشير المقالات العديدة التى سطرها قلمه بجريدة المؤيد إلى سعة فضله على أبناء أمته العربية والإسلامية عندما حثهم كثيرا على الصدق ونبذ الأنانية وحب الذات والتمسك بآداب الأخوة الإسلامية والحرص علي التصدي للاحتلال الأجنبي ودفع خطر الاستعمار عن الديار المصرية والإسلامية.

فنجد من هذه المقالات والنداءات إلا أسلحة فتاكة أطلقها الشيخ احمد ماضي خالصاً لوجه الله تعالي فى وجه كل حاسد معتد أثيم ومن ثم أنزله الحق تعالي منزلة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ,و ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليما(1).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى