انتقاء الموظفين

جريدة المؤيد : العدد 3 السنة الأولى بتاريخ 8 ديسمبر 1889م الموافق الأحد 15 ربيع الثاني سنة 1307 هـ
لا تزال الحكومة السنية تبذل عنايتها لانتقاء الموظفين في دوائرها من جهة الكفاءة والأهلية ومن جهة الأخلاق والصفات الأدبية
اما أولا فلأنها أوجدت لائحة لامتحان من يطلبون الانتظام فى سلك مستخدميها وجعلت هذا الامتحان في عهدة لجنة مشكلة من رؤساء أقلام الدواوين تحت رئاسة سعادة ناظر المعارف , فهي بذلك آمنة من أن يأخذ الوظائف غير أهلها ولعدم منع المستحق وقد راعت في ذلك الأولوية فنال الوطنيين جانب عناية هم أحق به ممن كانوا يخولونه قبل هذه الوزارة الوطنية بل وتروا ظهريا لا يستجاب جاعيهم ولا يسمع مناديهم و لحقهم فتور اليأس واستولى على قلوبهم القنوط فعادت بذلك لهم النشأة وهبوا كأنما نشطوا من عقل وسرت فيهم روح الحركة فترى المترشح يتقدم إلى الامتحان كأنما يطالب بحق سلبته منه عوادي الأيام السوالف وترى غيره يجد ويجتهد لتحققه ضمانة مستقبله اما جهة الأخلاق فقد حظرت الحكومة السنية أن تستخدم الأمن دلت التحريات على أن أحواله حميدة وهو مبدأ جليل الغاية لم يصدر إلا عن عواطف كريمة تسعى خير البلاد بل هو منهج رجل عظيم الهمة يعمل لتقدم الأمة المصرية وتحسين مستقبلها
ولقد دل الاختبار على أن نموذج أخلاق الإنسان في ذاته هو عنوان أعماله في كل شيء فإذا كان سيء التصرف مختل السلوك تجريه الشهوات إلى الابتذال والسرف وهما يحملان على تحمل أثقال الدين فلا يليق أن يؤتمن على مصالح الحكومة سواء قلت آو جلت لأن حالته دلت على تجرد ذاته من واع الذمة وطهارة الضمير وكان هذا شأنه فلا يؤدي واجبات وظيفته بالأمانة والصدق ومعلوم أن أعمال الحكومة قائمة في مصالح الرعية ومرتبط بعضها ببعض كل الارتباط فرب صغيرة يتهاون بها تكون سببا لإضاعة حقوق كبيرة تتوقف عليها حياة النفس شتى وحياطة أموال كثيرة
وأنت خبير بأن من تثقله الديون تصيب نفسه لمة الصغار وان كان عظيم الحسب ومتى صغرت نفسه سفلت همته فلا يأنف سفاسف الأمور وذلك مدعاة إلى الرشوة والخيانة وهما أصل كل فساد يسري ضرره إلى المنافع العمومية
ولهذا قد اجتهدت الوزارة الرياضية من قبل أن تمنع توقع العجز على مرتبات المستخدمين والعمال , ولما رأت أن مثل هذا المشروع لا يتم إلا باتفاق الدول الأجنبية تخابرت مع الدول, فأقر البعض وتوقف البعض الآخر فكان هذا التوقف سبباً لدعم إبراز هذا المشروع من القوة إلى الفعل ويحتاج ذلك إلى زمن وان كانت همة صاحب الدولة رئيس مجلس النظار منصرفه إلى تتميمه ونرجو الله أن يحقق هذا الأرب لان لذلك جملة فوائد منها حمل أرباب الأموال على عدم إدانة كثير من صغار المتوظفين فيكون ذلك سبباً لتحسين سلوكه لقلة وسائل الترف الجالب للسرف ومع طول الزمن يتناسى خطته الأولى ويمكنه أن يحفظ نفسه من التطرف ولو طالت يده فيصير رجلاً ينير مصالح نفسه ومنها إراحة صيارف المالية من مراجعة العجوزات وعدم تجزئة الحسابات ومنها تقليل الخصومات والدعاوى وإراحة المحاكم من مرافعات المتقاضين منهم وطول المنازعات الذي يحدثها في الغالب طمع الدائنين ومضاعفتهم أرباح طفيف الدين الى مثال أمثاله ومنها سد طرق الغش في وجوه صيارف الريف ونتائج شتى يقف اليراع عن أن يحصر النزر منها , ولما كان من مبادئ صاحب الدولة رئيس مجلس النظار المسارعة في عمل كل ما تبدو منه منفعة ورأي أن في التسويف بهذا الشأن ضرراً تلافي بعضه بإصدار منشور إلى جميع النظارات بما قدمناه لك ونشرته جريدة المؤيد في العدد الثاني وهو وجوب البحث عمن يراد توظفه جديداً فإذا كان مديناُ أو موقعة عليه حجوزات قضائية منعت تعيينه وتلك مأثرة من مآثره الوطنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى