واجبات القضاه وحقوقهم

العدد20 يوم السبت 5 جمادي الاول سنة 1307 هـ الموافق28 ديسمبر 1889 م

من علم ان القضاء من الله بالمكان الذي ليس به شىء يعادله درى كنه كونه ميزان الله في الارض الذي تعدل عليه احوال الناس فيها إذ به تصلح احوال الرعية وينتصف المظلوم وتحسن احوال المعيشة ويؤدي حق الطاعة لنظام الحياة البشرية الذي هو روح جسم الهيئات في كل زمان وفي كل مكان ولذا كانت النظرة الاولى من عقلاء الجنس البشري عند ارادة الاوضاع النظامية المنصرفة الى اقامة هذه القوة بينهم بصفة تلائم طباع الامة واخلاقها في كل اقليم من اقاليم الكرة الارضية مسندة الى اناس من المصطفين الاخيار ليكونوا حجاباً بين عوادي النفوس الضالة وبين الضعفاء من الناس , وهم ان شاؤا ان يكونوا حفظة كرامً بررة ملائكة لله في الارض عدلوا في الحكم وحكموا بالعدل فتطهر الاخلاق وتبرأ النفوس وتحفظ الاموال والدماء وان شاؤوا ان يكونوا وهم في دائرة الحكم قطاع الطرق ورؤسا اللصوص انحرفوا لجانب الهوى فتتولد الشرور وتربوا الفتن والمفاسد وتراق الدماء سراً وجهروا فلينظروا ماذا يحبون ان يكتب لهم الحق

وحسب القاضي ان يكون طاهر النفس شريف الهمة بمعنى انه يرى الرشوة في القضاء احدى الكبر فلا تكون عنده هي القاضية وان لا تميله الاغراض اللا جانب فلا تكون عنده الاهواءهي القاضية وان لا يجعل الحكم وسيلة الانتقام لذاته او لمن يحب فلا تكون الغواية عنده هي القاضية وان لا يجترء على الفصل بين اثنين في مال او نفس او سبة بدون ترو ولا بصيرة , تلك هي الواجبات عليه ومن شرطه ان يكون عالماً بالقانون الذي يقضي به فقيهاً في التطبيق بين القواعد وفروع القضايا متوفرة عنده ملكة الفصل الصادق سريع التمييز بين تضارب الحجتين يأخذ من معاريض الكلام اكثر مايأخذ من صريحه وان كان الحكم على ما قضي به الظاهر رشيداً في التصرفات فلا يولي السفيه والمحجور عليه لان بعقله جانباً من اللمم يحجه عن الصواب في الحكم … يجتنب من الهذر مايترفع عنه شريف النفس فإن المهذار تغلب عليه العادة في كل الاحوال

ومن حقوقه التي يطالب بها غيره احترام مكانته وتعظيم شأنه وان يكون مطلق الحرية في الحكم عند استيفاء الشروط فلا يهدد سلطانه بسلطان اقوى منه وان لا يلام على خطأ منه لم يتعمده فإن ذلك مدعاة الى التردد وريبة النفس والشك في الحقائق وهي داعية الخطأ وان يكفي مؤنة العيش فلا تحمله قلة راتبه على قلق الضمير والسعي لطلبه اوتشوق النفس الى مافي يد الناس وهو عنده ميسر الحصول ان شاء تناول وان يكونموضع ثقة الناس فلا يستراب منه في الحكم

وقد اختلفت الشرائع في كون القاضي آمناً من العزل فبعضهم يرى انه ليس من حقوقه ان يكون مخلداً في وظيفته لا يجوز عزله بصفة من الصفات الا عند اسباب مخصوصة كالرشوة او ارتكاب جريمة من الجرائم والى هذا ذهب اكثر مذاهب الشريعة الاسلامية مجيزين عزل القاضي ولو لم يكن له ذنب ظاهر او سبب موجب وقال مالك بن انس به وفي احد قوليه انه لا يجوز عزل القاضي متى ولي القضاء الا لثبوت رشوة او ارتكاب ما يوجب الحد من الموبقات ا وان اختصمه احد الخصمين في قضية فإنه يعزل من النظر فيها الى وقت وما عدا ذلك لا يجوز عزله لسبب من الاسباب وبمثل هذا ايضا ً قال المشرعون في اوروبا فرأوا ان من حقوق القاضي ان لا يهدد مركزه بالعزل

ولما أقيمت المحاكم في البلاد المصرية وولي القضاه كان هذا الحكم من حقوق قضاة الاستئناف ومن حقوق قضاة الابتدائي بعد سنة من التعيين ثم جعل بعد سنتين ثم جعل بعد ثلاث ثم جعل بعد ست سنين والسبب في ذلك ان الحكومة المصرية لما شكلت المحاكم اضطرت الى توظيف كثير من الذين لم تطل مدة تجربتهم او الذين تلقوها علماً او الذين تحق استعدادهم لان يكونوا جديرين بالقيام بتلك الوظائف بعد ,فكان ذلك داعياً الى توالي امتداد الأجل على النمط السابق وربما كان ذلك موجباً للوثوق بكثير منهم والحكم عليهم بأنهم اهل لوظيفة القضاء اذ بأن التجارب ان اكثرهم يستحق ان يخلد مركزه غير ان ذلك لم يطرد حكمه للكل فإن من بينهم من لا تكفيه هذه المدة في التجربة ولا تخوله تلك التمرينات حق التخليد والقاعدة ان الاحكام يراعي فيها تلافي الضرر ولو قل لا أنه يتغاضى عنه

هذا ما أوجب الحكومة السنية الآن الى اطالة زمن التجربة فصدر الامر العالي قاضياً بأن قضاة المحاكم الابتدائية لا يخولون حق عدم العزل الا ان مرت عليهم عشر سنين معتبرة من زمن تعيينهم وهو أمر جدير بالاعتبار ورأي غاية في الحكمة والاعتدال خصوصاً بعد ما اتسع نطاق المحاكم وتعين فيها الكثير من الناس ممن هم اهل لأن يستعدوا ويكونوا بعد زمن أكفاء للقيام بوظائفهم وجديرين يتمحيص الثقة وان كان من بينهم كثير من هم اهل لذلك الآن فنسأل الله جل شأنه ان يوصلنا الى مافيه إتمام السعادة والرشاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى