الوقت والعمل

العدد 23 يوم الثلاثاء 7 جمادي الاول سنة 1307 ه الموافق 31 ديسمبر 1889 م

الانسان مطالب من قبل ذاته ان يعمل ليعيش عيشة راضية ومطالب من قبل الهيئة الحاضرة بمبادلة المنفعة والمشاركة في كل عمل يحفظ لهم ناموس حياتهم ووحدتهم ومطالب من قبل السلف ان ينظر فيما اعترضهم فيه الوقت فمنعهم عن اتمامه ليهيئه الى الفائدة التي ارادوها بالشروع فيه ومطالب من قبل الخلف ان يعد لهم مايتخذونه اساساً لاعمالهم ويشيدون عليه بناء هيئتهم , فهو واقف بين اربع قوات تتجاذ به ان اضاع طرفة عين من وقته طالبته احدى تلك القوات واقامت كلها في وجهه حرب التأنيب وبادرت الى صحيفته فلوثتها بسواد تقصيره وهو ليس بشىء اذا انطوى وطويت صحيفته على هذا النمط وخلت ذكراه من الاثر الحسن

ولا شىء يدون فكن حديثاً   جميل الذكر فلدينا حديث

وليس الغرض من عمله ان يتهافت كالفراش على كل مايبدو له زاعماً انه بذلك يقضس دينه ويفي بحق ذاته وغيره كلا لأن الفرد من الهيئة كالعضو من الانسان لا يخلو من وظيفة توجهه اليها الطبيعة وهو قادر ان يكون عضواً نافعاً منفعة عظمى في جسم هيئته بل قادر ان تكون وظيفته أسمى واشرف مما كان يؤمل فيه , ونحن نشاهد في كل هيئة افراد أعظمت اعمالهم وكبرت الحاجة اليهم فلا غنية لها عنهم الا اذا خلفهم من يقوم مقامهم

والطبيعة قد أودعت في كل انسان املاً وفطرته عليه وقوته فيه حتى جعلته مشغوفاً بحب العلو وسمو الجاه وصاحب هذا الامل وهوى الدهر عادراً لهو الزمان مذنباً معه والناس مضيعين لحقوقه فلا يغفر تلك الخطايا ولا يقضي عن تلك الهفوات الا ان رأي نفسه فوق عرش الموجودات والزمان عبداً له والدهر خادماً له والناس خضعاً بين يديه وجميع المطالب مسخة له لا يعز منها شى دون اشارته وهي مافي باطلة وآمال زائلة . وما طلب المعيشة بالتنمية ولكن ألق دلولك في الدلا

فالامل في ذاته ليس بنافع احداً الا بالعمل وهو لايعمل الا اذا كان له من نفسه واعظ تنبعث عنه الهمة والاجتهاد وهذه الهمة لا تفيد الانسان الا اذا ظهرت تأثيراتها على ظواهره تستخف بعظائم الامور ولكنها الانتج الا اذا قرنت بالحكمة في التوجه وصادفت استعداد النفس وعدم تعاصي المطلوب لأسبابه لازمة له او عارضة عليه فيحمد صاحبها عليها ان تعداها غير مكترث بآلام النفس فإن توفرت فيه هذه الصفات فقل بانه قارب ان يكون عضواً نافعاً للهيئة وثمرة في غرس الموجودات تهيأت للنضج ( تجني بوقتها ) ونعني بذلك ان الانسان اذا توفرت فيه الوسائل كلها احتاج الى الوقت الذي يعمل فيه والوقت كثير ان دبره قليل ان اضافه

نخال ان الوقت قصير عن ادراك جميع مطالبنا وهو ليس الا الحياة نظنها ممتدة ونعقد مطالبنا وهو ليس الا الحياة نظنها ممتدة ونعقد بأطرافها اهداب الامل بالتصورات والتخيلات لكنها قصيرة او ضائعة ان لم نعتبرها كحقيقتها مؤلفة من دقائق وآنات تمضي بمجرد استحضارها سيالة في الكر والفر لا يستطيع الانسان ان يسترد ماضيها وهو يستعجل مستقبلها بل يعجله اللهو والبطالة غير ان الحكيم يدبر وقته كتدبيره غذاؤه وشرابه ونومه يجعل كل جزء منه يمر في الملائم له والنافع لحياته ولا بناء جلسه يحرص على الوقت حرصه على روحه فهو لديه مطية يستخدمها في جميع اغراضه وهو عند الجاهل كالحيوان البليد لا ينتفع به صاحبه وهو يأكل من حياته ويشرب من دمه فالوقت نافع للحكيم ضار للجاهل وليته قاصر على الضرر لذاته بل يكون وجوده حملاً ثقيلاً على الهيئة بل عضواً فاسداً في جسمها ان لم يقطع او يعالج نرى صرره بالعدوى الى الباقي وذلك صاحب الوسائل تضيع وسائله ان لم يدبر وقته بحكمة ويجعل لاجزائه وظائف كأعضائه فيصرف بكرته في كذا وضحوته في كذا او غدوته في كذا وهكذا مراعياً في ذلك حالة معاشه وصحته وحقوق اعماله وفائدته ناظراً في كل عمل لوقته الذي يصح ان يعمل فيه غير مضيع فرصة الحاجة ولا مستقدماً آتياً كالزراع يحصد عند نضج الثمرة غي مغتر بزهوها ولا مبطىء في الجني فتختطفها ايدي الضياع والملاشاة ’ لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والغني والفقير والصبي ةالشيخ والضعيف والقوي فأنهم اعضاء الهيئة وآحادها منهم تكونت وبهم تقوم وعليهم يعود الربح او الخسران

قال بعض الحكماء ان روح الحياة انتهاز فرصة الوقت في العمل لان من يؤجل عملاً اللا المساء يمكنه ادراكه في الصباح فقد ادرك الأرب يوم يدركه كل انسان ومن اراد تعجيل ماتطلب الحكمة تأجيله فقد حاول ان يغير دورة الفلك وضاع عمله ومن لم يأخذ من قوته لضعفه مثلاً فلا يعيش لغد ومن لم يعمل في صحته لمرضه هلك من حيث لا يدري ومن ضيع وقته قتل بسيف الزمن فالوقت رأس مال العامل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى