السياسة الاستعمارية في أوروبا

العدد113 يوم الاربعاء 26 شعبان سنة 1307 هـ الموفق 16 ابريل سنة 1890 م

مكثت دول اوروبا المتناظرة حيناً من الظهر تحشد الجنود وتبني الحصون وتمد البواخر حتى وثق كل بقوته بل حتى علم الجميع انه لو حصلت حرب بين أمتين ستكون أشد حرب قام سوقها وثار عثيها فهاب الحرب من كان يسارع اليها وابغضها من كان يحبها فبخمت الدول بعد ذلك الى حل معضلات المسائل باللسان  لا بالسنان وبالقول دون الفعل فكان ذلك ضامناً للسلم اللازم يعلمه الله غير ان تلك الدول لما اقفل كاهلها حمل النفقات وأمست خزائنها فارغة من الأموال مدت أعينها الى الاستعمار لما فيه من رواج البضائع وجبابة الاموال فبعد ان كانت متناظرة في بلادها اصبحت متناظرة في بلاد غيرها فضربت الروس الى آسيا وبلاد الصين في الفضاء الفسيح الذي لا تجد لها فيه معارضاً ولا منازعاً ودخلت انكلترا مع المانيا في دور جديد بقارة افريقيا كان سببه الاعظم مجىء امين باشا من خط الاستواء وسياحة المستر ستانلي بها وكلاهما يبتغي الآن مايدور في خلد الآخر

ولقد نعلم ان استعفا البرنس بسمارك سيكون سبباً من الاسباب التي لا بد ان تترك انكلترا والمانيا في جدال عنيف على بساط تلك القارة وذلك لان البرنس كان محافظاً كل المحافظة على مركز المانيا السياسي والدفاعيغير طامع في الاستعمار كأنه كان يرى ان وقته لم يحن ا وان حفظ قوة المانيا على حدودها يحل معه كثيراً من مشاكل السياسة وتضطر غير دولة الى ملاينته غير ان الامبراطول الجديد بما آتاه في عالم السياسة من ملاينة الدول واستجلاب قلوب النابضين على ازمتها وسيره مع رعيته في طريق الولاء بمشروعاته التي امالت اليه القلوب رأي عكس ما رآه بسمارك فسير امين باشا مع تلك الكتيبة التي ذكرناه من قبل ليرفع علم المانيا على تلك البلاد خبر كنهها على نفقة غيره فأوجت الانكليز خيفة منه وتحركت اقلام رجالها على صفحات الطروس مابين مشنع على المانيا ومصبح فعال امين باشا لعدام مراعاته الولاء ونكرانه الجميل ومن مؤنب لقومه يذكروهم بما فعلوه من قبل اهمالهم في امر السودان وعدم اعتنائهم بمستعمراتهم في افريقيا ومن متاسف على اعمال الشركة الشرقية الانكليزية على ظن ا نامين باشا سيعاكس اعمالها ويعيدها الى غير ذلك

ولكن النقطة التي تدور عليها افكار رجال السياسة في لوندن انما هي الخوف من عودة ارتباط ايطاليا بألمانيا بما بينهما من رابطة الاتحاد الثلاثي فهم الىن يستحسنون التفرقة بين ايطاليا والمانيا ولو ان في ذلك ميل الاولى الى فرنسا وتعضيد بعض مصالحها وفي ذلك مافيه من قوة عضد الروس على معاكسة مصالحهم في اكبر المستعمرات ومن اطمع على ماكتبه السر صمويل باكر علم من مرامي كلامه انه يتخوف من اتحاد امين مع الماجور وسمن قيرلسون الجيوش الى سواحل اوغندا ثم بحيرة البرت فولاية خط الاستواء حيث يستقبله اعوانه واصحابه فيجد مسرحاً واسعاً وبلاداً شاسعة حرمت على اول رافع فيها اعلام المدنية والحضارة واحلت لهما بحكم الضرورة ثم استلفت قومه الىماتفعله الايطاليون اذ ذاك من الاستيلاء على كسله وبربر الخرطوم وغيرها من تلك الجهات حينما يتنسمون نسيم الالمان على خط الاستواء

ونحن لا نقول ان سياسة الالمان الاستعمارية مقطوع نجاحها كما لا نرى غيهم من وصمة الغلط فيما فرط منهم من قبل الا ان نتيجة ذلك لا تتعدى المناظرة التي توجب الدولتين اللا المخاشنة بعد الملاينة ولعل سياسة بريطانيا تأبى ذلك لما تنسمه من ميل الروسيا الى اانسان بحكم المصلحة واما الاتفاق على تجديد املاك كلا الدولتين فتستطرد المانيا خطتها ويذهب امين باشا لوجهه وهي اخف من الاوللا وان كانت لا تخلو من غرس الاحفاد وعلى كل فقد مهدت انكلترا لغيرها واكدت نفسها لاراحة غيرها وسيكشف المستقبل ماتكنه الايام وتأتي الحوادث بما لم يكن في الحسبان

قد كانت وظائف الضباط في جيش المانيا قديماً لا يتقلدها الا أبناء الامراء ليس الا ,فأراد الإمبراطور غليوم الثاني ان يمنع هذا الاحتكار ويبطل تلك المزية فأصدر امراً نشرته جريدة المانيا الرسمية أجاز به تقليد غير ابناء الأمراء لتلك الوظائف الجليلة ان يكون من عائلة حميدة السير طيبة الذكر تحب الملك وتدين بدين النصرانية فكان الإمبراطور يريد ان يوفق بين افكار القدماء والمحدثين ولذلك صرح بمساوات ابناء وطنه ودينه في تقلد وظائف الضباط

فجاء في ذلك موافقاً لأغراض الاحرار مجيباً لداعيهم في محو أثر المحاباة والامتياز بين رعيته ثم وضع لذلك شروطاً تقضي بعدم تقلد تلك الوظائف السامية إلا لمن كان المانياً بطناً وظهراً مسيحي العقيدة ملوكي المذهب فوافق بهذه الشروط المنهج القديم الذي يقضي انه لا يجوز لليهود ان يرتقوا الى أي وظيفة سامية بالجيش الالماني

ثم تطرق الى انتقاد معيشة الضباط والرفاهية فقال ما معناه لا يحمل بالضباط ان ينهمك في الزهور الباطل ولا ان يظهر بمظهر الكبر والعجرفة فمن تملك بعروة الزهد والقناعة واعتصم بحبل البساطة في المعيشة وآلان الجانب واستعمل الدعة لجدير بمعية الامبراطور وخدمة الوطن

ولا يحفي ان الامبراطول غليوم الاول سعى بكل جهده في ابطال تلك الفوائد فحبط مسعاه و ويظن بعضهم ان الامبراطول سيتمكن بالعزم والحزم من تنفيذ ماصدرت به ارادته من ترتيب المساواه وتحمل الضباط على المعيشة الخشنة وان كان معظمهم معارضاً له في هذه النية الحميدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى