الصوم وتنشيط الارادة

بقلم د0 جمال ماضي أبو العزائم

جريدة الأهرام  5/7/1982

 

يصح الصوم ألا بتمام عقد النية0 وكان على المسلمين في ليلة الصوم ان يتم عزمهم ويعقدوا النية على عبادة الصيام  ويقولوا  بألسنتهم  وبقلوبهم ، نويت صيام رمضان والإرادة هي المحصلة لطاقات التنفيذ للأنسان 0 وكل منا تثيره أحاسيسه المختلفة من نظر  وسمع وذوق وشم ولمس 0 تؤثر هذه الأحاسيس  على أجهزتنا العصبية ويتعرف الإنسان على واقعة الذي يحيط به ثم ينفعل بهذا الواقع  ويقوم  بعمل مناسب لأحاسيسه وانفعالاته 0

ان هذا العمل تسبقه إرادة نضجت وترعرعت في مراحل حياة الإنسان وتأثرت بالمثل المحيطة به والبيئة والتربية الاجتماعية وسمات شخصية الإنسان المختلفة 0 وعلى قدر هذه الإرادة يتم تنفيذ العمل وربما تم التنفيذ توا وسريعا أو ببطْ وترو 0 أو تم التنفيذ على موجدات تدل على الذبذبة والتوتر والخوف 0 وكل ذلك حسب مدي نضج الإرادة ومدى طاقاتها  المختلفة 0 الصوم والصبر هما فيتامينان هامان لتنشيط الإرادة  وربما ازدادت هذه الطاقة عند الشخص الضعيف بقليل من الصبر حتى تصبح طاقة أرادته وتنفيذه تعادل طاقة  اثنين 0

يقول الحق عز وجل ” ألان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان كلن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين  وان يكن منكم آلف يغلبوا ألفين بأذن الله والله مع الصابرين ” فكان الصبر مقويا  إرادة الضعيف حتى تصبح طاقته قدر  طاقة اثنين  لا يتحليان بالصبر 0 وقد تضاعف طاقة إرادة  الصمم الصابر المؤمن  المستبصر السوي حتى تصبح قدر  عشرة أمثاله من غير الصابرين وهذا بالتدريب والقيادة  التي تضرب المثل وبالتوكل الذي يعرف الهدف ولا يتردد  بعد عقد النية ويقول الحق عز وجل : ” يا أيها النبي  حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ، يا أيها النبي حرض  المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا  مائتين  وان يكن منكم  مائه يغلبوا ألفا من الذين كفروا  بأنهم قوم لا يفقهون ” وجعل سبب الغلبة ان الفئة  الكافرة قوم لا يفقهون ولا يعلمون حقيقة الهدف  ولا يعلمون قيمة الصبر وتنشيط الإرادة 0

وقد تتضاعف  هذه الإرادة  الى مالا نهاية وكل ذلك بعد  ممارسات من الصبر وبعد تمام  عقد النية وبعد درجات  عليا من التوكل الحق على الحق ولننظر الى أحد هؤلاء  الذين وصلوا الى درجة عليا  من الإرادة  وهو سيدنا  إبراهيم الذي يقول فيه الحق عز وجل ” ان إبراهيم كان  أمة قانتا  لله حنيفا ولم بك من المشركين “0 ومن هذا المنطلق نرى ان لدى الإنسان طاقات لانهاية لها وان هذه الطاقات  موجودة في صميم كيانه وان مفتاح  تفجير هذه الطاقة الهائلة  التي لا حدود لها هو الصبر على دافع الغريزة  وتنشيط  إرادة الصبر ، هذه الإرادة  التي تجعل الإنسان يواجه كل  مشكلات الحياة مواجهة  تضع لها الحلول العديدة ويشق طريقه دون توقف ويزداد إنتاجه وتقوي عزيمته 00 والصوم هو البذرة الأولى التي تولد الصبر 0

 

ترشيد الإرادة في التراث الإسلامي :-

وتراثنا الخالد في الحياة الإسلامية تراث بني على إرادة التغيير الى الأحسن وجميع العبادات  هادفة ترويض  النفس الإنسانية واخراجها  من الضعف الى القوة ولذا تكونت سمات الشخصية الإسلامية  مستمدة القوة من  ترشيد الإرادة وتعهدها منذ فترات الحياة الأولى حتى تنضج مبكرا ولننظر الى قوله تعالى ” ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكتابه عالمين ” وقوله تعالى : ” يا يحيي خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا  ”

وتوصية  الرسول صلي الله عليه وسلم للآباء بأن يروضوا  أولادهم على الصلاة مبكرا حتى تنضج إرادة الصلاة  عندهم وهو يقول ”  مروا أولادكم بالصلاة لسبع  ” فمنذ  الطفولة علينا ان نحملهم مسئولية تتكرر خمس مرات  يوميا مع الوضوء والصلاة والانتظام حتى تكون عادة  الصلاة مبكرا 00 ان الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ”

ومن الأيام الأولى علينا ان  نروض أبناءنا على تحمل الصوم وعلى الصدق والعدادات  الحميدة  وكل هذا لا يتأتي ألا بانطلاق  الإرادة  ولذا كان الصوم مدرسة لتربية النفس  واخراجها  بعيدا عن شهواتها  الى جنة الطمأنينة والتمتع في حدود القانون والقيم 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى