الصحة النفسية والرسالة المحمدية

 

د.جمال ماضي أبو العزائم

رئيس الاتحاد العالمي للصحة النفسية

 

حفلت الرسالة المحمدية بأسس وقائية عديدة في مجال الصحة النفسية. والمدقق في نصوصها يجد كذلك أن لها أثرها في مجال العلاج النفسي والوقاية والعلاج هما جناحي التمتع بالصحة .

 

ويهتم الإسلام اهتماما كبيرا في ميدان الوقاية ويأتي البرنامج اليومي الإسلامي زاخرا بوصايا عديدة فرضها الإسلام حتى تكون اللبنات الأولى القوية لبرنامج حياة يقي المسلمين من المرض سواء الجسمي أو النفسي أو الاجتماعي.

 

ولقد واجه الإسلام منذ الأيام الأولى من حياته مشاكل نفسية عارمة. فالآثار النفسية المتزايدة نتيجة للحروب الطوال التي تفشت بين القبائل والأمراض النفسية العديدة نتيجة الحياة الاجتماعية التي فقد الأطفال فيها حقوقهم والبعض وئد ولم ير الحياة ” وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت “[1]

 

وفقدت المرأة حقوقها واستعبدت. وفقد فريق  من الرجال حقوقهم واسترقوا ويتساءل السيد الرسول:” لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “.

وفقد الشباب كذلك حقوقهم ولم ينالوا التربية النفسية اللازمة .. واستشرت الخمر بين الناس وأدت إلى المرض والخراب.

 

كل هذا وغيره واجهه الإسلام ووضع له العلاج النفسي الذي طبق خطوة أثر خطوة حتى استقرت أحوال الناس بعد ثلاثة وعشرين سنة من العمل المستمر والتربية النفسية للامة وحتى نال الطفل والشاب والمرأة والرجل المعمر.. كل نال حقوقه وتمتع في ظل العلاج الإسلامي الجسمي والنفسي والاجتماعي في ظل مظلة الوقاية ونرى القرآن الكريم في خطبة الوداع يقول : ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “.[2]

فقد توفرت الصحة النفسية لفئات  المجتمع وتكونت لاول مرة أمة خرجت من الوحدة والانطواء في الجزيرة العربية إلى جميع أنحاء العالم تنشر حضارة جديدة ركن من أركانها الصحة النفسية .

 

وسوف أحاول أن اجمع في هذه الكلمة اتجاهات الإسلام الوقائية والعلاجية ووضع الآيات والأحاديث النبوية الدالة على هذا الاتجاه.. وسأبدأ بجمع هذه الأصول في مقاطع من حياة قبل الزواج وآبان الحمل وفي مراحل العمر المختلفة والله الموفق.

 

القواعد الوقائية النفسية في مراحل العمر :-

قبل الزواج:

 

  • يحض الإسلام على اختيار الزوج والزوجة المناسب أحدهما للآخر. ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” تخيروا لنطفكم فان العرق دساس “(2) وقد ثبت ذلك في أبحاث علوم الوراثة .
  • ويقي الإسلام من زواج الأقارب ويقول الحديث الشريف :” اغتربوا لا تضووا”(3) وأتضح صحة ذلك مع تقدم أبحاث الاجنة.
  • ويحبذ الإسلام الزواج المبكر ويدعو إلى الصوم والصبر عند عدم الاستطاعة للزواج.ولا شك أن ذلك يؤدي إلى عدم تعرض الشباب للأمراض الجنسية .

ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم: ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع  فعليه بالصوم فانه له وجاء ” (1)

وفي ذلك احسن السبل للوقاية من الانحراف والمرض النفسي ويهتم الإسلام بعملية التسامي لامتصاص  النشاط الزائد في مرحلة المراهقة ويوصي السيد الرسول بتربية الشباب في قوله : ” علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل “. (2)

 

وينهي الإسلام من الفحشاء والمنكر والبغي وكذا الزنا ويقول الله تبارك وتعالى في قرأنه الكريم: ” ولا تقربوا الزنا أنه كان فاحشة وساء سبيلا” (3) .

 

وقد نادى علماء النفس بالتسامي  بالغرائز وقامت العديد من الأبحاث التي أثبتت نتائجها أن التسامي والنشاط من طريق اللعب وممارسة الهوايات لها أثرها النفسي في زيادة رصيد الصحة النفسية بين الشباب .

 

ويهتم الإسلام بالزواج  بعد بلوغ سن الرشد   الاجتماعي ويقول الله جل وعلا في قرآنه الكريم : ” وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ” (4)

وهذا يدل على مدى أهمية الفحص النفسي حتى يأنس ولى الأمر نضج من يتولى أمرهم قبل تحميلهم المسئولية .

 

ويعطي الإسلام اهتماما خاصا بالحوامل أبان شهور الحمل من حيث الاهتمام بالمأكل والمشرب والقول بالمعروف وعدم تعرضهن للإرهاق إذا كان ذلك يسبب لهن الإجهاد وأباح لهن الإفطار في رمضان أبان  أشهر الحمل حتى يتكون الجنين في أحسن فرص النمو الجسمي والعصبي ويقول الله جل وعلا في قرآنه  الكريم : ” وعلى اللذين يطيقونه فديه طعام مسكين ” (1) .

 

التربية النفسية للنشء :

وأهتم الإسلام بمعاملة النساء وجعلهن موضع اهتمام الزوج وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهن في خطبة الوداع حتى يقمن بدورهن الهام في التربية النفسية للنشء في هدوء ويسر ويضع الإسلام للتربية النفسية للأطفال قواعد شتى فهو يهتم بالآتي :-

 

  • أن تكون الرضاعة من ثدي ألام فان لم تستطع فالرضاعة من ثدي أخرى ويقول الله تبارك وتعالى :- ” فان تعسرتم فسترضع له أخرى ” (2) .

وقد دل ذلك على تمام الاستقرار النفسي بعيدا عن الرضاعة الصناعية .

 

  • ويهتم بفترة الرضاعة المشبعة ويقول الله تعالى :” والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ” (3) .

 

  • ويعتبر الإسلام الرضاعة من ثدي واحد تؤدي إلى الاخوة في الرضاعة ويحرم الزواج من أخوة الرضاعة وممن أرضعن ويقول :” حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم إلى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ” (4) .

 

وأخوة الرضاعة ترسب في أعماق النفس الإنسانية ما ترسبه قواعد الاخوة من حرمه الزواج بين الاخوة ولذا فقد نهى عنها الإسلام وقاية من التعرض للانفصال بين الأزواج .

  • ويعطي الإسلام للرضاعة حقها وأجرها ومسئوليتها ويقول الله تبارك وتعالى : ” فان أرضعن لكم فاتوهن أجورهن ” (1)

 

وبذا يوصي الإسلام بحضانة الطفل وجعلها  حق للحاضن وهي ألام المطلقة والمحضون وهو الطفل بحيث تقوم ألام على حضانة ابنها  وعلى الأب  أن يدفع  الأجر وفي ذلك حماية من آثار الانفصال بين ألام وابنها هذا الانفصال المبكر المدمر للصحة النفسية .. وقد ثبت علميا وصدرت التوصيات الهيئات العالمية الصحية بأهمية الرضاعة من ثدي ألام .

 

  • ويحض الاسم على المساواة في معاملة الأولاد في كل شيء حتى في القبل وبهذا لا يقلق الأطفال ولا يعانون من التوتر والخوف والمشاكل النفسية المختلفة ويقول الله تعالى ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا  قولا سديدا ” (2) .

 

  • ويعطي الإسلام دورا هاما للعب مع الأطفال على أن له دوره الهام في التربية النفسية خاصة في سنين العمر المبكرة ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم أترك الحبل على الغارب ” (3) .

وكان يركبان على ظهره وهو يصلى ولا يوقف هذا اللعب ..

 

الأسرة المستقرة نفسيا :

ويوصي  الإسلام بالأسرة المستقرة وينهي عن الانفصال بين الأزواج ونضع قواعد ويضيق  فرص الطلاق إلى أبعد درجة .

وقال صلى الله عليه وسلم : ” أبغض الحلال عند الله الطلاق “(1)

وقامت في الأيام الأخيرة علاجات شتى للسرة وتقدم هذا النوع من العلاج وأصبح له دوره الهام في العلاج النفسي عن طريق علاج الأسرة ويوصي القرآن الكريم عند بدء الشقاق والخوف من استفحاله في الأسرة بتدخل  كبار أعضائها بالتوفيق  بين الزوجين حفاظا على كيان الأسرة واستقرارها النفسي الهام ويقول” وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدوا إصلاحا يوفق الله بينهما (2)

وهذا هو هدف الأبحاث العلمية النفسية الجارية في هذا المجال…

ووضع الإسلام للأسرة مسئوليات وحمل كل أعضائها قسطا من هذه المسئوليات وقال السيد  الرسول  صلى الله عليه وسلم ” كلكم  راع وكلكم مسئول عن رعيته ” (3) وحمل الأبناء مسئولية  احترام الأباء والعطف عليهم وقرن عبادة الله عز وجل بالإحسان للوالدين في قوله تعالى  ”

” وقضى ربك ألا تعبدوا ألا إياه وبالوالدين إحسانا ” (4) وتبلغ التوصية بإكرام الوالدين أقصاها في قوله تعالى حاضا على استمرارية الاحترام والمعروف في علاقة الأبناء بالآباء  قوله  تعالى : ” وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا  معروفا .”(5)

وهذا هو قمة الحفاظ على العلاقات الأسرية  لما لها من أهمية في ميدان الصحة النفسية  وحث الإسلام على العمل ووضع له آدابا وقوانين عديدة وفضل العاملين على غير العاملين  وأجزل الثواب  للعاملين المحسنين وحذر المتهاونين الكسالى وقال تعالى : ” وقل اعملوا  فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (6) .

وقال : ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ” (7)

وقال : ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ” (1)

وقال : ” رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم ر يعملون ” (2)

وحث على استمرارية  الصبر في العمل وبين بجلاء أن الصبر كفيل  بتحقيق النجاح وكفيل بزيادة  الإنتاج وقال ” وما يلقاها ألا الذين صبروا وما يلقاها ألا ذو حظ عظيم ” (3) .

وقال كذلك : ” ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ” (4) .

ومعلوم أن الصبر من مقومات الصحة النفسية وأن الصبر ينمي الطاقات البشرية وانه يزيد من رصيدها وأنه يزيد من إفراز مواد  ENDORPHINS  التي اكتشفت حديثا والتي تزيل الآلام وتؤدي  الى استقرارية الصحة النفسية .

 

نظرة الإسلام لطاقة الجماعة :

 

ويعطي الإسلام للعمل الجماعي اهتمام خاصا ويحذر من العمل الفردي الأناني ولا أدل  على ذلك من الحث على الصلاة في جماعة وحتى ولو كان الإنسان بعيدا عن المسجد أن تكون الجماعة مع أفراد الأسرة ويجزل العطاء والثواب لهذا العمل الجماعي ويبارك ذلك ويقول  السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” يد الله مع الجماعة ” (5)

ونادي  القرآن المسلمين دائما بنداء الجماعة بقوله ” يا أيها الذين آمنوا ” ولا أدل على صحة هذا الاتجاه مما أثبته البحث العلمي أن للجماعة طاقة علاجية شافية لا تتوفر للعلاج الفردي النفسي .

 

الترفيه ودوره النفسي :

ولما كان للترفيه البناء أثره الفعال في ميدان الصحة النفسية فقد شجع الإسلام هذا  النشاط وحث على السفر والسياحة والألعاب الرياضية وكل ذلك في جماعة مع اختيار الصحبة الطيبة ووضع للسماع آدابا شتي  كي يؤدي السماع الى التعمق الى معاني ما يسمع وتتحقق الفائدة من السماع وحتى لا يضيع وقت الإنسان هباء في اللذة السطحية  من السماع فيترقى الى المعني  ولينفذ آلي شهود الآيات ويتمتع مع هذا الشهود براحة نفسية وايمان  عميق .

ويقول الله تعالى : ” التائبون العابدون الحامدون السائحون ” (1)

ويقول : ” ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ” (2)

ويقول عن سيدنا  داود : ” يا جبال أوبي معه والطير والثاله الحديد ” (3)

 

الوسطية في الإسلام :

 

ووضع الإسلام من بين مبادئه التوسط وقال عن الآمة الإسلامية ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ” (4) وكان ينهي عن المغالاة وكذلك عن التقصير ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم :

” لا إفراط ولا تفريط ” ويقول القرآن الكريم ” كلوا واشربوا ولا تسرفوا ان الله لا يحب المسرفين ” (5) ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها  كل البسط فتقعد ملوما  محصورا ” (6) .

وبذا عاشت الأمة الإسلامية بعيدا عن القلق والتوتر اللذان يصاحبان الإفراط وحميت كذلك من الضعف والخضوع اللذان يصاحبان التفريط وكان إنتاجها كثيرا وفيرا للوسطية ويقول  السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى ” (7)  وتكون الصلاة  خمس مرات في لا يوم عاملا مساعدا للمحافظة على هذه الوسطية وكفيلا لوفرة الإنتاج مع علاج الإجهاد والتوتر ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أرحنا بالصلاة يا بلال ”

والتوسط في تنفيذ الأعمال اليومية للإنسان هو خير دليل على تمام الصحة النفسية .

 

الرعاية النفسية للمعمرين :

وراعي الإسلام كبار السن ووضع حقوقا على الأبناء لرعاية آبائهم المسنين وقال : أما  يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ،

 

وحث الإسلام على حضانة كبار السن وعدم التخلي عنهم عند كبرهم بل أن يقيموا مع الأبناء والآية تقول ” آما يبلغن عندك الكبر ” أي أنهم يجب أن يعيشوا مع الأبناء وقد ثبت ان كبار  السن إذا عاشوا بعيدا عن الأسرة وبعيدا عن الأبناء تسؤ حالتهم النفسية سريعا .  ولذا يهتم الإسلام بكيان الأسرة الواحدة المستقرة من بدء تكوينها حتى نهاية كبر أعضائها في مكان واحد  يظله الحب والرعاية لأفرادها جميعا.

 

كيف نجح الإسلام في التنشئة النفسية الصحيحة لأفراد الأمة ؟

كل هذه المبادئ  السابقة كانت مكونات الشخصية الإسلامية السوية وقد نجح الإسلام بغرسها  بالطرق الآتية :-

 

  • الأسوة الحسنة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب المثل الصحيح كما كان الصحابة يتأسون به ويقول الحق عز وجل : ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” (2)

وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ” خذوا عني مناسككم ” ويقول : ” صلوا كما رأيتموني أصلى .

وكان الآباء والمسئولون في كل قطاع يضربون المثل الطيب بالأسوة الحسنة .

  • مداومة تعليم القرآن وحفظه حتى تكون المثل نابعة من كيان الإنسان بعد تمام الحفظ .

ويقول الحق : ” الرحمن علم  القرآن خلق الإنسان علمه البيان” (1)

  • الثواب والعقاب : أجزل القرآن الثواب للنفس الإنسانية عند قيامها بالاتباع الحق ويقول :

 

” وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ” (2) ويقول ” ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ” (3) كما نبه القرآن الى العقاب الذي ينتظر المخالفين ويقول : ” ومن يعمل مثقال ذرة  شرا يره ” (4) ويقول  : ” كل نفس بما كسبت رهينة ” وكان للثواب والعقاب أثرهما في تربية النفس  الإنسانية .

 

  • الاستعداد للرجوع من الخطأ وذلك بالتوبة النصوح .. وقد فتح القرآن أبواب التوبة والرجوع الحق لأفراد المجتمع ونبه الى ذلك وكانت آيات التوبة من أكثر آيات القرآن الكريم ترددا تشجيعا لهذه العملية النفسية والتي تؤدي الى تمام المبادئ الإسلامية الصحيحة ويقول :  ومن تاب وعمل صالحا فأنه يتوب الى الله مثابا ” (5)

 

  • الصبر على القيام بتربية خطوة اثر خطوة حتى يتعود الناس على ممارسة السلوك البناء ويقول القرآن : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه”(6)

 

القيمة النفسية للأسلوب الوقائي الإسلامي :-

  • ان الاستيقاظ المبكر يحث على أن يبدأ العمل مبكرا والى أن ينتهي الشخص من عمله اليومي مبكرا بحيث يتم إنجاز العمل في أنسب ساعات النهار .
  • يتم البرنامج اليومي في إطار جماعي مما يتيح البعد عن الانطواء وتقييد الانطلاق ووضعه في خدمة الجماعة وينمي لدى الشخص فرص احترام القيم الجماعية . وهكذا نجد أن ارتباط الشخص بالجماعة يولد لديه شعورا بالانتماء والتعاون فيسهل عليه أداء الأعمال المطلوبة منه مما يخفف من القلق والتوتر .
  • ان هذا البرنامج اليومي يجعل الشخص مندمجا في عدد من الأنشطة الجسمية والنفسية المترابطة مثال ذلك أن عملية الصلاة تقتضي القيام بالخطوات التالية :- الوضوء وحركات  الجسم أثناء الصلاة والتركيز في معاني القرآن الكريم وما ينجم عن ذلك من أيمان وأمل – كل هذا يؤدي الى نوع من الارتباط الذي يساعد على تقليل القلق والتوتر والتخفيف من حالات الاكتئاب ان وجدت  وهكذا نجد أن عملية الصلاة تستتبع القيام بأنشطة تجلب الراحة الجسمية والنفسية وهي تتكرر خمس مرات كل يوم عندما  يصل الإجهاد الى أقصاه في هذين المجالين يقول تعالى : ” فإذا قضيت الصلاة فاذكروا  الله قياما  وقعودا وعلى جنوبكم  فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة : ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” (1)
  • يتيح الاجتماع بالمسجد أن يجد المسلمون على جناح السرعة حلا لمشاكلهم الاجتماعية                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             وذلك بإعطاء القدوة الحسنة والمشورة الإيجابية فتقل عدد المشاكل  التي تواجه الافراد. ذلك لان آيات القرآن الكريم لا تدور حول مسائل العبادات وحدها بل تشرع لحياة الفرد والمجتمع وتضع الأسس الخاصة بتصريف المسلم لحياته اليومية وأحواله الشخصية  والاقتصادية والقضائية في إطار جماعي واحد يقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن للمؤمن  كالبنيان يشد بعضه بعضا ” (2)
  • ان هذا البرنامج اليومي ييسر عملية التفريع والاعتراف بالذنب في جو من الآمان النفسي.

ذلك لان المسلم يشعر أنه في رعاية خالقه وعناية وأنه جل شأنه رحيم به يكلاه بعين عنايته وغفرانه ان هذا الشعور بالأمان والثقة في الله تعالى وعدالته المطلقة تقضي على أي شعور  بالضيق والذنب فقد يواجه الشخص في حياته اليومية . يقول تعالى :  ” وآخرون اعترفوا  بذنوبهم خلطوا  عملا صالحا وآخر سيئا ن عسى الله أن يتوب عليهم  ان الله غفور رحيم ” (3)

  • يزاول المسلم هذا البرنامج اليومي عن قناعة مما يساعده على التغلب على صعوبات الحياة ما دام واثقا من رعاية الله له يقول تعالي : ” وما لنا  لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق  ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ” . (4)
  • يعتبر هذا البرنامج برنامجا تدريبيا متعدد الجوانب يمكن المسلمين من أن يشبعوا رغباتهم ومزاولة مختلف الأنشطة حسب ميولهم واتجاهاتهم.
  • ينمي هذا البرنامج قدرات المسلم المختلفة ويتيح له فرص استخدام هذه المنح التي وهبها الله إياه والتعرف على طاقاته المختزنة وتحمل المسئولية يقول تعالى : ” ان يكن منكم  عشرون  صابرون يغلبوا مائتين (1) ويقول كذلك : ” ان إبراهيم كان أمة “
  • استخدمت اللقاءات الدينية الجماعية في المسجد  استخداما مفيدا في الأغراض التثقيفية  فانتشرت الحقائق  العلمية بين المسلمين وساروا نحو معرفة ما حولهم ومعرفة حقيقة أنفسهم.
  • ان اللقاءات الجماعية للحجاج الذين يجمعهم برنامج واحد تنمي الروابط العاطفية بينهم وتزيد من شعورهم بالأمل والتفاؤل . وهكذا يتم علاج تلقائي ذو طبيعة نفسية  لكل من هو في حاجة أليه .
  • تتاح الفرصة للمسلم في لقاءاته مع اخوته المسلمين  بالمسجد أن يلتمس المشورة في أية حالة طارئة.
  • ان هذه اللقاءات لا تهمل الناحية الترفيهية بل تشجع على مزاولة الرياضة والصيد والسفر الخ يقول تعالي: “وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ” .

 

الأسلوب الوقائي الإسلامي وأثره على تجنب المرض النفسي :-

الانطواء :-

وهو عرض  من الأعراض التي يؤدي الى المرض النفسي وليس من الممكن أن يسود هذا العرض في مجتمع يحظي فيه المسجد بكل إجلال واهتمام وتقام الصلوات الخمس بل ليس من الممكن أن يجد الانطواء  له الظرف المناسب الذي يمكنه من الظهور إذ أن المجتمع الإسلامي  يسوده  التكافل هذا بالإضافة الى أن كافة الأنشطة الدينية تتم في ظل الجماعة مما يؤدي  الى تدعيم الروابط الاجتماعية ومساعدة الأفراد والأسر التي هي في حاجة الى المساعدة .

 

الاكتئاب :

ان الاكتئاب  من أهم الظواهر المرضية في عصرنا  الحاضر. وهو يبدأ عندما يعجز الفرد عن مواجهة الواقع . والعقيدة الإسلامية تضع الواقع في اعتبارها وتشعر المسلم بذلك في  كافة عباداته . وهي تؤكد للمسلم أن في وسعه أن يتغلب على مشاعر الاكتئاب اذا هو تذرع بالصبر والمثابرة والتسامح. ولا يؤدي  هذا  فحسب الى التخفيف من مظاهر الاكتئاب بل يقوي العزيمة  ويدعم الشعور بالأمل والتفاؤل ويمكن القول أن الوضوء يؤدي من الناحية الطبية الى تخفيف مظاهر التوتر ومن ثم كانت أهميته قبل كل صلاة ، كما أن الصلاة في حد ذاتها تؤدي  الى سكينة النفس وهدوئها.وليس من شك أن صلاة  الجماعة في المسجد وروح التعاون بين المسلمين تساعدان على القضاء على أي شعور بالوحدة وما ينتج عنه من مشاعر الإحباط والاكتئاب ويقول تعالي: ” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب ”

 

الانتحار :

تفيد الإحصاءات  أن الانتحار يكاد يكون معدوما في المجتمع الإسلامي ، فالعقيدة الإسلامية تعطي المسلم حصانه ضد هذا العمل .  فهي تعتبره مجرما وسوف يعاقب من يرتكبه يوم القيامة ان هذه عقيدة راسخة في وجدان  المسلمين ويقوم المسجد بتأكيدها  لدى المسلم بصفة مستمرة ويسمع قوله تعالى : ” ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ”

 

الانحرافات الجنسية :

يحرم الإسلام الانحرافات الجنسية ويحذر منها. وهو  يشجع على الزواج المبكر والاتصال المشروع بين الجنسين ، والإسلام يحرم تحريما قاطعا أي مظهر من مظاهر الانحراف في العلاقات الجنسية ويعاقب عليها الى حد المعاقبة العلنية لمن يرتكبون الزنا، وتفيد الإحصاءات أن الأمراض الجنسية نادرة الحدوث في المجتمع الإسلامي ويقول تعالى :  ” ولا تقربوا الزنا أنه كان فاحشه وساء سبيلا ” .

 

اللقطاء :

تعني ظاهرة وجود اللقطاء في المجتمع حدوث علاقات جنسية غير شرعية وغير مسئولة وهي أيضا من الأشياء المحرمة في الاسلام. ولهذا فان الإسلام يحافظ كل المحافظة على حق الأطفال في الوالدين وحق المرأة في أن تتمتع بحياة أسرية تتسم بالمحبة والتىزر. وهكذا يتمتع أفراد الأسرة الإسلامية بالأمان والتوحد مما يحول دون شعورهم بالتوتر والقلق والانحراف يقول تعالى : ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم  ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ” .

 

السكر والمخدرات :

السكر محرم كل التحريم في الاسلام. ففي بداية الدعوة الإسلامية كان المسلمون  لا يشجعون على شرب المسكرات إذ أنها كانت منتشرة على نطاق واسع في الجاهلية ثم ازداد الحظر تدريجيا الى أن صدر  أمر صريح بالامتناع عن شربها . ويشمل هذا الحظر شربها وانتاجها والتعامل بها.

وحرمت كذلك كافة المواد التي تؤثر على شعور الفرد وإحساسه . ولهذا نجد أن ظاهرة السكر نادرة  في المجتمع الاسلامي. أما بالنسبة  للمخدرات فعلى الرغم من أنها محرمة من حيث المبدأ ألا أن البعض يحاول تبريرها على أساس أن تحريمها  لم يرد صراحة. ويحاول المسجد في الوقت الحاضر أن يلقي مزيدا من الأضواء على هذا الموضوع يقول تعالى : ” إنما الخمر والميسر والأنصاب والآزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ” .

 

الطلاق:

على الرغم من أباحته بشروط ألا أنه يعتبر من الناحية الإحصائية محدودا وغالبا ما تكون الأسرة والمجتمع هما الضحية ويقول الرسول الكريم في ذلك ” أبغض الحلال عند الله الطلاق” .

 

الجريمة :

يدعو المسجد دائما الى التسامح والعفو كما يدعو الى أن تسود علاقات الصداقة مع الأعداء .

وينهي  القرآن عن قتل الإنسان للإنسان ويضع لهذا العمل عقوبات صارمة محددة. وحتى إذا كان القتل عن طريق الخطأ فان الإسلام يفرض دية على القاتل  ويوقل تعالي ” ولا تقتلوا  النفس التي حرم الله ألا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوله سلطانا  فلا يسرف في القتل انه  كان منصورا “.

 

التمييز العنصري :

يدعو الإسلام الى المساواة وينهي عن التمييز بسبب  اللون أو الجنس أو العنصر ويقول النبي الكريم : ” الناس سواسيه كأسنان المشط ” ويعترف الإسلام بالأديان السماوية التي سبقته ويقول تعالى :- ” لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير “.

 

ان هذه المبادئ التي أشرنا  أليها مع غيرها من النظم الاجتماعية هي التي ساهمت في نشر العقيدة الإسلامية .

وقد قام المسجد بدور أساسي في نشر هذه المبادي عن طريق التلاوة المستمرة للقرآن وحفظه وتفسير معانيه. وقد آثرت هذه المبادئ على كافة مظاهر الحياة الإسلامية وتناولت مختلف شئون الحياة الأسرية مثل الرضاعة وتربية الأبناء والعلاقة بين الرجل والمرأة ورعاية المسنين .

 

الإسلام يحث على التعلم وفهم المظاهر الطبيعية  والنفسية ويضع قواعد العلاج النفسي :

ان أول آيه نزلت على النبي الكريم آية تحث عل الحصول على المعرفة عن طريق  القراءة . وهناك العديد من الآيات التي تدعو الى التعليم والتدبر وفهم ما يحيط بالإنسان من مظاهر طبيعية فقد جاء  في الآية 19. من سورة  آل عمران : ” ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب “.

وفي آية أخرى (آيه 2.،21 من السورة (15): وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون “.

 

ان هذا النداء للحصول على المعرفة بشتى الطرق يفتح الطريق أمام دراسة العديد من المجالات وخاصة فيما يتعلق بالسلوك الإنساني بما في  ذلك عالم اللاشعور. ولنسرد هنا بعض الأمثلة التي تدل على ذلك :-

  • تقول الآية 3. من السورة 47 : ” ولو نشاء لايناكم فتعرفهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم والله يعلم أعمالكم ” لقد كانت هذه الآية مبعثا لمزيد من الأنشطة في هذا المجال وكان المسجد مصدرا لهذه الدراسات النفسية التي أثرت البحث العلمي النفسي في العالم .
  • في الآية التالية نجد أن النبي يعقوب قد حزن حزنا شديدا بعد أن سمع عن فقد ابنه يوسف حتى أنه فقد نظره : ” وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم” .

وكما ترى فان هذه الآية تشير الى العمى الهستيري وتؤكد أهمية الانفعالات وما ينجم عنها من اثر على أعمال الحواس.

وفي آيه أخرى يقولك ” فلما  ان جاء البشير ألقاه على وجه فارتد بصيرا ” ويتبين  من هذا أنه عندما يذهب الأثر النفسي يرجع الشخص الى حالته العادية .

تبين هذه الآيات اثر المسجد  على الحياة الذهنية بعد أن انتشر الإسلام وهكذا بدأ المسلمون يتجهون نحو مزيد من العلم وبدءوا ينشطون في هذا المجال فقاموا بترجمة ما سبقهم من علوم وبرعوا في مجالات الرياضة والجبر والاكتشاف والتاريخ والجغرافيا والأدب والكيمياء  وعلم النفس والطب. وقد ظهر تقدمهم هذا في كتب كبار علمائهم مثل ابن سينا وابن بطوطة وابن خلدون والغزالى وغيرهم كثيرون.

 

 

 

 

 

 

 

(1)التكوير آية 8،9

(2 المائدة آية (3)

[2]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى