فليوحد الشعب الصفوف

كذا يجب توحيد الصفوف هكذا قلت لنفسي وأنا واقف وراء الكتل البشرية المتراصة في ميدان عرابي الآن ( عابدين سابقاً ) أرقب آثار هذه الدعوة العامة التي إذاعتها الإذاعة والجرائد المسائية ليوم 2/2/1952 والصباحية ليوم 3/2/1952 للافتتاح بدار التحرير

أجل لأجل أن ارقبها عن كتب حتى اسمح للقلم بأن يغذى قراء المدينة بوصف هذا الفيض من النعمة الإلهية التي وحدت بين الصفوف وألفت بين القلوب وجعلت من مصر والمصريين صفاً واحداً , لا بل وحدت بين القطرين الشقيقين مصر والسودان وصبرتهما في بودقة واحدة بودقة الاتحاد في الجهاد للوصول بوادي النيل إلى هدفه الأسمى هدف مملكة أو جمهورية وادي النيل المتحدة ’ يا عجباً كم نادى المنادون بالاتحاد وذهبت نداآتهم أدراج الرياح ’, أترى هل كانوا المنادون صادقون في دعوتهم صدق , محمد نجيب الذي ظل طوال سنين الجهاد الطويلة المريرة لم يعرفه إنسان فما كادت أن تنطلق كلمته الخالدة بالاتحاد والنظام والعمل من قليه المؤمن بالله المصدق لوعد الله حتى إذاعتها الألسن في الآفاق نشيداً وحتى طارت بها الأرواح إلى ما وراء المادة تسمع أرواح الشهداء الذين فقدوا حياتهم في ميادين الفداء وحاشا لله أن يكونوا قد فقدوها , والإله العلى القدير الذي عليه الاعتماد يقول ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من بدعهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع أجر المحسنين ) فحياتهم في سجل الكون خالدة , وأرواحهم في فراديس الجنان باقية حية , يأتيها رزقها رغداً بإذن ربها في كل نفس وحين , هذا الرق تجده بين سطور هذا الخطاب الخطير يوم افتتاح دار التحرير والذي نقتطف بعض ما جاء فيه :

أيها المواطنون شاءت أن تندفع عجلة الثورة في طريقها المرسوم لها فحطمت هذه الإرادة , الصعاب التي اعترضنها واكتسحت في سبيلها خصومكم الظاهرين ومؤيديهم المختفين .

واجتماع اليوم ليس إلا حلقة جديدة من حلقات انتصاركم التي تحيط الثورة بسياج يقيها عوادي الزمان , ومعركة جديدة من معارككم التي تدفع عنكم عار الزهو بما كسبنا , وشر الاستسلام إلى ما ربحنا

إن اجتماع اليوم هو الخطوة الأولى في عمل جديد قد يكون أضخم عمل قامت به الثورة لأنه يوزع نورها على قلب كل فرد وينقل عينها إلى عاتق كل بيت ويفتح ميدانها للعامل من كل نوع ومن كل لون

كان لابد أن تنظم الثورة صفوفها وكان لابد أن تعمق الثورة جذورها وكان لابد أن تنشر الثورة بذورها ولم يكن هناك سبيل إلى ذلك إلا بإنشاء هيئة تتكون من جموعكم وتختفي في ظلها الفوارق بينكم وتتهيأ بفضلها دواعي الوحدة بين طبقاتكم وتتسع فيها الفرصة للعاملين والمضحين منكم

إلى أن قال : ولقد كانت مصر في كل تاريخها أسرع ما تكون إلى هذا التنسيق والتوحيد كلما قرعت طبول الخطر نقف في صف واحد وتستحيل إلى جسد واحد ويتوزع بنوها كل في المكان الذي ينفع فيه , ولقد قصصت عليكم في يوم 23 يناير الماضي طرفاً من هذا التاريخ , واليوم تقرع طبول الخطر من كل جانب وهى طبول كانت جديرة أن تنسى قادتنا في الماضي القريب ما هم فيه من لهو ومن تجارة ولكن شاءت إرادة الله أن يستفحل الخطب حتى يكون التغيير من الأساس وان يقوم البناء على دعائم , خلت من سوس الماضي وقذره

أيها الإخوان : أقول قرعت طبول الخطر ولا احسبني في حاجة إلى أن أبين معنى ما أقول فها انتم أولاء ترون تزاحم الدول والشعوب في معترك السياسة الدولية تزاحماً تتطاير له نذر الحرب الكبرى بين الحين والحين وها نحن أولاء لا نزال نرى في جانب من وادينا جيشنا للاحتلال ونرى في الجانب الثاني منه نفس الجيش مع دعاوى مريضة لا ننتهك حرمة الوادي فحسب بل تبغي أن تفرقنا إلى جماعات وان تفتتنا إلى أجزاء ثم تفتت الجزء منا إلى جزيئات

فان لم يكن هذا هو الخطر فماذا يكون الخطر ؟

؟آمنت بالله رباً وبالإسلام دينا وبعبده محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا وداعياً إلى الله بإذنه وسراحا منيرا وكيف لا يكونوا أحياء وهذا رزقهم يأتيهم من عالم الأحياء – قلوب دائبة السير الحنيث للهدف المقدس الذي كانوا إليه يهدفون وانسام علوية كأنما هي شهاب الحق الثاقب يخترق أبواب السماء إلى سحيق الأرض الفضاء فيهو القلوب هزا وتدك الجبال الرواسي دكا وتشرق الأرض بنور ربها فيتغير وجع البسيطة فما كان قفرا بالأمس أصبح جنات وما كان نضرا بالأمس أصبح قفرا يبابا وآثاراً بالية وخراباً وهكذا حتى تقون الساعة ويبعث الله من في القبور تفنى الجسوم ولا تفنى خصائصهم وذكرهم في سطور الكون منشور وكلما جد يوم كان ذكرهم أجد منه حياة كلها نور لله درك يايوم التحرير يوم 23 يناير سنة 1953 ولله درك يايوم الاحتفال بافتتاح دار التحرير يومان أغران في جبين الدهر أعلنا على ملأ الإشهاد أن مصر سوت صفوفها وأنها جادة فيما تقول وقال على لسان زعيمها الأوحد محمد نجيب أنها حرب على من حاربها سلم على من سالمها , وان عدوها لن ينال منها خيرا وأنها تهب الخير والفلاح لمن صادقها وسالمها بهذا المعنى اختتم محمد نجيب خطابه الخطير الذي نفرت مصر إلى ساحة التحرير لتستمع إليه فإذا بهذا الخطاب فقير البعث ودعوة النشور وبشر الحياة لأمة ظلت حية طوال القرون الغابرة مع ماكان يحيط بها من أسباب الموت ومسبباته إلا والله أنها لأمة دللت على أنها ذات نفسية كبيرة قوية متينة جديرة بالخلود الذي خلد آثارها الأهرام وأبو الهول وأمة خلدت الأحجار جديرة بان تخلد ذكر أبنائها الأمجاد ماتعاقب الليل والنهار

أيها النيل إملأ جنبات واديك ماء الحياة – أيتها الأرض السوداء أخرجي ثرواتك لأبنائك الغر من الآباء الذين استيقظوا من نومة الغفلة ورقدة الجهالة ومرض التفرقة فإذا هم ينظرون إلى ماكانوا فيه من ذل واستعمار فكسروا القيود وتنسموا نسيم الحرية الذي سير الدم في عروقهم ونبضت به قلوبهم واشر أبت للمجد العزيز أعناقهم فثاروا على الفساد والظلم والاقطاع والرشوة التي كانت بضاعة جائرة بارك الله هذه الدار وبارك القائمون عليها

مجلة المدينة المنورة العدد 21 السنة 25 القاهرة فى 13 فبراير سنة 1953 ميلادية

للكاتب القدير/  محمود احمد ماضي أبو العزايم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى